قال سيبويه :« غُدْوة وبُكْرة جُعِلَ كُلُّ واحد منهما اسْماً لِلْحِين، كما جعلوا :» أمّ حُبَيْن « اسماً لدَابَّةِ معروفة » إلاَّ أنَّ هذا الطَّعْنَ لا يُلْتَفَتُ إليهن وكيف يُطَنُّ بِمَنْ تقدَّم أنهم يَلْحنون، والحَسَنُ البَصْرِيُّ ممن يُسْتَشْهَدُ بكلامه فَضْلاً عن قراءتِهِ، ونَصْرُ بْنُ عَاصِم شَيْخُ النحاة، أخذَ هذا العلم عن أبي الأسْوَدِ يَنْبُوعِ الصناعِةِ، وابن عامر لا يعرف اللَّحْنَ؛ لأنه عربي، وقرأ على عثمان بن عفان وغيره من الصحابة، ولكن أبا عُبَيْدٍ - رحمه الله - لم يعرف أن تنكير « غُدْوَة » لغة ثانية عن العَرَبِ حَكَاهَا سيبويه والخليل.
قال سيبويه : زعم أنه يَجُوزُ أن تقول :« أتَيْتُكَ اليوم غُدْوَةً وبُكْرَة » فجعلها مثل « ضَحْوَة ».
قال المهدوي :« حكى سيبويه والخليل أنَّ بعضهم يُنَكِّر فيقول :» غُدْوةً « بالتنوين، وبذلك قرأهُ ابن عامر، كأنه جعله نكرة، فأدخل عليها الألفَ واللام ».
وقال أبو علي الفارسي :« وجْهُ دخول الألف واللام عليها أنه يجوز وإن كانت مَعْرِفَةً أن تُنَكَّرَ، كما حكى أبو زَيْدٍ » لقيته فَيْنَةً « غير مَصْرُوفَة » والفَيْنَةُ بَعْدَ الفَيْنَةِ « أي : الحين بعد الحين، فألحق » لام « التعريف ما استعمل معرفة، ووجه ذلك أنه يُقَدَّرُ فيه التنكير والشيوع، كما يُقَدَّرُ فيه ذلك إذا ثَنَى ». وقال أبو جَعْفَرِ النحاس : قرأ أبو عبد الرحمن، ومالك بن دينار، وابن عامر :« بالغُدْوَةِ » قال :« وباب غُدْوَة أن يكون معرفة إلاَّ أنَّهُ يجوز تنكيرها كما تُنَكَّرُ الأسماء الأعلام، فإذا نُكَّرَتْ دخلتا الألف واللام للتعريف ».
وقال مَكّي بن أبي طالبٍ « إنما دخلت الألف واللام على » غَدَاة « لأنها نكرة، وأكثر العرب يجعل » غُدْوَة « معرفة فلا يُنَوِّنها، وكلهم يجعل » غَدَاة « نَكِرَةٌ فينوِّنها، ومنهم من يجعل » غُدْوَة « نكرة وهم الأقَلّ » فثبت بهذه النُّقُولِ التي ذكرْتُهَا عن هؤلاء الأئمةِ أن قراءة ابن عامر سَالِمَةٌ من طَعْنِ أبي عُبَيْدٍ، وكأنه - رحمه الله - لم يحفظها لغة.
وأما « العَشيُّ » فنكرةٌ، وكذلك « عَشِيَّة ».
وهل العَشِيُّ مرادِف ل « عشية » أي : إن هذا اللفظ فيه لغتان : التذكير والتأنيث، أو أن « عَشِيّاً » جَمْعُ « عَشِيَّة » في المعنى على حدِّ « قَمْح » و « قَمْحَة »، و « شعير » و « شعيرة »، فيكون اسم جِنْسٍ، خلاف مشهور، والظاهر الأوَّل لقوله تعالى :