﴿ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بالعشي الصافنات الجياد ﴾ [ ص : ٣١ ] إذ المرادُ هنا عِشِيَّة واحدة، واتفقت مصاحفُ الأمْصَارِ على رَسْمِ هذه اللفظة « الغدوة » بالواو وقد تقدَّمَ أن قراءة ابن عامرٍ ليست مُسْتَندَةً إلى مجرد الرسم، بل إلى النَّقْلِ، وثَمَّ [ ألْفَاظٌ اتُّفِقَ ] أيضاً على رَسْمِهَا بالواو، واتُّفِقَ على قراءتها بالألف، وهي :« الصَّلاة، والزكاة، ومناة، ومِشْكَاة، [ والربا، ] والنجارة والحياة »، وحرفٌ اتُّفِقَ على رسمه بالواو، واختلف في قراءته بالألف والواو، وهو « الغَدَاة » وأصْلُ غَدَاة : غَدَوَة، تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقُلِبَتْ ألفاً.
وقرأ ابن أبي عَبْلَةَ :« بالغدوات والعَشِيَّات »، جمع « غَدَاة » و « عشية » وروي عن أبي عبد الرحمن أيضاً « بالغُدُوِّ » بتشديد الواو من غير هاءٍ.
فصل في المراد بالآية
قال ابن عبَّاسٍ [ معنى الآية ] يَعْبُدُون ربَّهُمْ بالغَدَاوةِ والعَشِيّ يعني صلاة الصبح، وصلاة العصر، وهو قول الحَسَنِ ومجاهد.
وروي عنه أن المراد الصلوات الخَمْس، وذلك أن نَاساً من الفقراء كانوا يُصَلُّونَ مع النبي ﷺ فقال ناسٌ من الأشراف :« إذا صَلَّيْنَا فأخِّر فَلْيُصَلُّوا خَلْفنَا » فنزلت هذه الآية.
وقال مُجَاهِدٌ : صليت الصبح مع سَعيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، فلما سلم الإمام ابْتَدَرَ النَّاسُ القاص، فقال سعيد : ما أسرع الناس إلى هذا المَجْلِسِ، فقال مجاهد : فقلت : يَتَأوَّلُونَ قوله تعالى :﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي ﴾ فقال : أفي هذا هو؟ إنما ذلك في الصَّلاةِ التي انصرفنا عنها الآن.
وقال إبراهيم النخعي : يعني : يذكرون رَبَّهُمْ.
وقيل : المُرَادُ حقيقة الدعاء.
قوله :« يُرِيدُونَ » هذه الجملة في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحال من فاعل « يَدْعُونَ » أو من مفعوله، والأوَّل هو الصحيح، وفي الكلام حَذْفٌ، أي : يريدون بدعائهم في هَذَيْنِ الوقتين وجهه.
فصل في الرد على شبهة المجسمة
تمسكت المُجَسِّمَةُ في إثبات الأعْضَاء للَّه - تعالى - بهذه الآية، وسائر الآيات المُنَاسِبَة، كقوله تعالى :﴿ ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾ [ الرحمن : ٢٧ ] والجوابُ : أن قوله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ ﴾ [ الإخلاص : ١ ] يقتضي الوحْدَانيَّة التَّامَّة، وذلك يُنَافِي التركيب من الأعضاء والأجزاء، فثبت أنَّهُ لا بُدَّ من التَّأويل، وهو من وجهين :
أحدهما : قوله :﴿ يُريدُون وَجْهَهُ ﴾، أي : يريدونه إلاَّ أنهم يذكرون [ لفظ الوجه للتعظيم كما يقال : هذا وجه الرأي، وهذا وجه الدليل الثاني :] أنَّ من أحَبَّ ذاتاً أحب أن يرى وَجْهَهُ، فرؤة الوَجْه من لوازم المحبَّةِ، فلهذا السَّبَبِ جعل الوجه كِنَايةً عن المَحَبَّةِ، وطلب الرضى.
والثاني : أن المراد بالوجه القَصْدُ والنِّيَّةُ؛ كقول الشاعر :[ البسيط ]
٢١٧٩-أسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْباً لِسْتُ أحْصِيّهُ | رَبَّ العِبَاد إلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ |
قوله :﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْء ﴾
« ماط هذه يجوز أن تكون الحِجَازيَّةَ النَّاصبة للخبر، فيكون » عليك « في مَحَلِّ النصب على أنه خبرها، عند مَنْ يُجَوِّز إعْمَالَهَا في الخبر المُقدَّمِ إذا كان ظَرْفاً أو حرف جَرِّ، وأمَّا إذا كانت تَمِيميَّةً، أو متعيَّناً إهمالُهَا في الخبر المقدِّمِ مُطْلَقاً كان » عليك « في مَحَلِّ رفع خبراً مُقدَّماً، والمبتدأ هو » مِنْ شَيءٍ « زيدت فيه » مِنْ «.