« إذا » منصوب بجوابه، أي فقل، سلامٌ عليكم وَقْتَ مجيئهم أي : أوقع هذا القول كله في وقت مجيئهم إليك، وهذا معنى واضح.
وقال أبو البقاءك « والعاملُ في » إذا « معنى الجواب، أي : إذا جاءوك سَلَّمْ عليهم » ولا حَاجَة تدعو إلى ذلك مع فوات قوة المعنى؛ لأن كونه يُبَلِّغُهُمُ السَّلام والإخبار بأنه كتب على نفسه الرَّحْمَةَ، وأنه من عَمِلَ سُوءاً بجَهَالَةٍ غفر له ما يقوم مقامه السَّلامُ فقط، وتقديره يفضي إلى ذلك.
وقوله :« سلامٌ » مبتدأ، وجاء الابتداء به وإن كان نَكِرَةً؛ لأنه دُعَاؤٌ، والدُّعَاءُ من المُسَوِّغَاتِ.
وقال أبو البقاء :« لما فيه من معنى الفِعْلِ » وهذا ليس من مذهب جمهور البصريين، وإنماهو شيء نُقِلَ عن الأخفش : أنه إذا كانت النكرة في معنى الفِعْل جاز الابتداء بها ورفعها الفاعل، وذلك نحو :« قائم أبواك » ونقل ابن مالك أن سيبويه أوْمَأ إلى جوازه، واستدلال الأخفش بقوله :[ الطويل ]
٢١٨٢-خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فَلا تَكُ مُلْغِياً | مَقَالَةَ لِهْبِيَّ إذَا الطَّيْرُ مَرَّتِ |
٢١٨٣- فَخَبِيْرٌ نَحْنُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْكُمْ... إذَا الدَّاعِي المُثَوَّبُ قَالَ : يَا لاَ
ف « خير » مبتدأ، و « نحن » [ فاعل ] سَدَّ مَسَدَّ الخبر.
قيل : لئلا يَلْزَمُ الفَصْلُ بين « أفعل » و « مِنْ » بأجنبي بخلاف جَعْلِه فاعلاً، فإن الفاعل كالخبر بخلاف المبتدأ.
و « عليكم » خَبَرُهُ، و « سلامٌ عليكم » أبلغ من « سَلاَماً عليكم » بالنصب، وقد تقررَّ هذا في أوَّلِ « الفاتحة » عند قراءة « الحَمْدُ » و « الحَمْدَ ».
وقوله :« كَتَبَ رَبُّكُم » في مَحَلِّ نصب بالقولِ، لأنه كالتفسير لقوله :« سلامٌ عليكم ».
فصل في نزول الآية
قال عكرمة : نزلت في الذين نَهَى اللَّهُ - عزَّ وجلَّ - نَبِيَّهُ ﷺ عن طردهم، وكان النبي ﷺ إذا رآهم بَدَأهُمْ بالسلام.
وقال عطاء : نزلت في أبي بكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعلي، وبلال، وسالم، وأبي عُبَيْدةَ، ومُصْعَبِ بن عُمَيْرٍ، وحَمْزَة، وجعفر، وعُثمانَ بْنِ مَظْعُون، وعمَّارِ بْنِ يَاسِر، والأرقم بن أبي الأرقم وأبي سَلَمَة بْنِ عَبْدِ الأسَدِ.
قال ابن الخطيب :« وها هنا إشْكَالٌ، وهو أن النَّاسَ اتفقوا لع ىأن هذه السُّورة نزلت دفعةً واحدةً، وإذا كان كذلك، فكيف يمكن أن يُقَالَ في كُلِّ واحدٍ من آيات هَذِهِ السُّورة : إن سبب نزول هذه الآية الأمْرُ الفلاني بِعَيْنِهِ، بل الأقْرَبُ أن تُحْمَلَ هذه الآية على عمومها، فكل من آمن باللِّهِ دخل تحت هذا التشريف ».