وخَصَّ اللَّيْلَ بالتَّوَفِّي، والنَّهَارَ بالكَسْبِ إن كان قد يُنَامُ في هذا ويُكْسَبُ في الآخر اعتباراً بالحَالِ الأغلب.
وقدَّم التَّوَفِّي بالليل؛ لأنه أبْلغُ في المِنَّةِ عليهم، ولا سيَّملا عند مَنْ يَخُصُّ الجَرْحَ بكسْبِ الشَّرِّ دُون الخَيْرِ، ومعنى « جرحتم » أي : كَسَبْتُمْ من العملِ بالنهار.
قال تعالى :﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح ﴾ [ المائدة : ٤ ] أي : الكَواسِب من الطير والسِّبَاع، واحدتها « جارحة ».
قال تعالى :﴿ الذين اجترحوا السيئات ﴾ [ الجاثية : ٢١ ] أي : اكْتَسَبُوا.
وبالجملة فالمُرَادُ منه أعمال الجَوَارِح.
قوله :« ليُقْضَى أجَلٌ » الجمهور على لِيُقْضَى « مبنيّاً للمعفولِ، و » أجَلٌ « رفع به، وفي الفاعل المَحْذُوفِ احتمالان :
أحدهما : أنه ضمير البَارِئ تعالى.
والثاني : أنه ضير المخاطبين أي : لتقضوا آجالكم.
وقرأ أبو رجاءٍ، وطلحة :» ليَقْضِي « مَبْنياً للفاعل، وهو الله تعالى، و » أجَلاً « مفعول به، و » مُسَمى « صفة، فهو مرفوع على الأوَّل، ومنصوب على الثاني وتيرتَّبُ على ذلك خلافٌ للقُرَّاءِ في إمالَةِ ألفِهِ، و » اللام « في » ليقضي « متعلّقة بما قبلها من مجموع الفِعْلَيْن، أي : يتوفاكم ثُمَّ يبعثكم لأجْلِ ذلك.
والمرادُ : الأجَلُ المسمَّى، أي : عمركم المكتوب.
والمعنى : يبعثكم من نومكم إلى أن تَبْلُغُوا آجَالَكُمْ.
واعلم أنه - تعالى - لمَّا ذكر أنَّهُ يُنيمُهمْ أولاً، ثم يوقظهم ثانياً كان ذلك جَارياً مُجْرَى الإحْيَاءِ بعد الإمَاتَةِ، فلذلك اسْتَدلَّ به على صِحَّةِ البَعْثِ والقِيَامَةِ، فقال :﴿ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ الزمر : ٧ ] في ليلكم ونهاركم في جميع أحوالكم.