قد تقدَّم الكلامُ على هذه الآية أوَّل السورة.
قوله :﴿ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَة ﴾ : فيه خمسة أوجه :
أحدها : أنه عَطْفٌ على اسم الفاعل الواقع صِلَةً ل « أل » ؛ لأنه في معنى يَفْعَل، والتقدي : وهو الذي يقهر عبادَةُ ويرسل، فعطف الفعل على الاسم؛ لأنه في تأويله، ومثله عند بعضهم :﴿ إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ ﴾ [ الحديد : ١٨ ] [ قالوا ] :« أقْرَضُوا » عطف على « مُصَّدِّقِين » الواقع صِلَةً ل « أل » ؛ لأنه في معنى : إنَّ الذين صَدَّقُوا وأقْرَضُوا، وهذا ليس بشيء؛ لأنه يلزم من ذلك الفَصْلُ بين أبْعَاضِ الصِّلةِ بأجنبي، وذلك أن « وأقْرَضُوا » من تمام صِلَةِ « أل » في « المُصَّدِّقين »، وقد عطف على الموصُولِ قوله « المُصَّدِّقات » وهو أجنبي، وقد تقرَّر غير مرَّةِ أنه لا يتبغ الموصول إلاَّ بعد تمام صلته.
وأمَّا قوله تعالى ﴿ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ﴾ [ الملك : ١٩ ] ف « يَقْبِضْنَ » في تأويل اسم، أي : وقابضات.
ومن عطف الاسمعلى الفعل لكونه في تأويل الاسم قوله تعالى :﴿ يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت ﴾ [ الأنعام : ٩٥ ].
وقوله :[ الطويل ]

٢١٨٩- فَألْفَيْتُهُ يَوْماً [ يُبِيرُ ] عَدُوَّهُ [ ومُجْرٍ ] عَطَاءً يِسْتَخِفُّ المعَابِرَا
والثاني : أنها جملة فعلية على جملة اسمية وهي قوله :« وهُوَ القَاهِرُ ».
والثالث : أنها مَعْطُوفَةٌ على الصِّلَةِ، وما عطف عليها، وهو قوله :« يَتَوَفَّاكُمْ » و « يَعْلَم » وما بعده، أي : وهو الذي يتوفاكم ويرسل.
الرابع : أنَّهُ خبر مبتدأ محذوف، والجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحالِ، وفي صاحبها وجهان :
أظهرهما : أنه الضمير المُسْتَكِنُّ في « القَاهِرِ ».
والثاني : أنها حالٌ من الضمير المُسْتَكِنَّ في الظرف، هكذا قال أبو البقاء، ونقله عنه أبُو حيَّان قال :« وهذا الوجهُ أضعفُ الأعاريبِ ».
وقولهما :« الضمير الذي في الظرف » ليس هنا ظَرْفٌ يُتَوَهَّمُ كون هذه الحال من ضير فيه، إلاَّ قوله :« فَوْقَ عِبَادِهِ »، ولكن بأيِّ طريق يتحمَّلُ هذا الظرف ضميراً؟
والجوابُ : أنه قد تقدَّم في الآية المشبهة لهذه أن « فَوْقَ عِبَادِهِ » فيه خمسة أوجه :
ثلاثة منها تتحمَّلُ فيها ضَمِيراً، وهي : كونه خبراً ثانياً، أو بَدَلاً من الخبرِ، أو حالاً، وإنما اضْطررْنَا إلى تقدير مبتدأ قَبْلَ « يُرْسِلُ » ؛ لأن المضارع المثبت إذا وقع حالاً لم يقترن بالواو كما تقدَّم إيضاحه.
والخامس : أنها مُسْتَأنَفَةٌ سيقت للإخبار بذلك، وهذا الوجه هو في المعنى كالثاني.
قوله :« عليكم » يحتملُ ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه متعلّق ب « يرسل » ومنه ﴿ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ ﴾ [ الرحمن : ٣٥ ] ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ﴾ [ الأعراف : ١٣٣ ] ﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرا ﴾ [ الفيل : ٣ ] إلى غير ذلك.
والثاني : أنه متعلّق ب « حَفَظَة »، يقال : حفظت عليه عمله، فالتقدير : ويرسل حَفَظَةً عليْكُمْ.


الصفحة التالية
Icon