قال أبو حيَّان : أي : يحفظون عليكم أعمالكم، كما قال :﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴾ [ الانفطار : ١٠ ] كما تقول : حفظت عليك ما تعمل فقوله كما قال تشبيه من حيث المعنى، لا أن « عَلَيْكُمْ » تعلَّقَ ب « حافظين » ؛ لأن « عَلَيْكُمْ » هو الخبر ل « أنَّ »، فيتعلق بمحذوف.
والثالث : أنه مُتَعلِّقٌ بمحذوف على أنه حالٌ من « حَفَظَة »، إذ لو تأخَّر لجاز أن يكون صِفَةً لها.
قال أبو البقاء :« عَلَيْكُمْ » فيه وجهان :
أحدهما : هو مُتعلّق ب « يرسل ».
والثاني : أن يكون في نِيَّةِ التَّأخير، وفيه وجهان :
أحدهما أن يتعلَّق بنفس « حَفَظَة » ن والمفعول محذوف، أي : يرسل عليكم من يحفظ أعمالكم.
والثاني : أن يكون صفة ل « حفظة » قدمت فصارت حالاً. قوله : والمفعول محذوف يعني : مفعول « حفظة »، إلاَّ أنَّهُ يُوهِمُ أنَّ تقدير المفعول خاصُّ بالوجه الذي ذكره، وليس كذلك، بل لا بُدَّ من تقديره على كُلِّ وجْهِ، و « حَفَظَة » إنما عمل في ذلك المقدَّر لكونه صِفَةً لمحذوفٍ تقديره : ويرسل عليكم ملائكة حَفَظَةً؛ لأنه لا يعمل إلاَّ بشروطٍ هذا منها، أعني كونه معتمداً على موصوف، و « حفظة » جمعُ « حافظ »، وهو مُنْقَاسٌ في كُلِّ وصْفٍ على فاعلٍ صحيح « اللام » لعقلٍ مذكرٍ، ك « بارِّ » و « بَررَة »، و « فاجر » و « فَجَرة »، و « كاملٍ » و « كَمَلَه »، ونيقل في غير العاقل، كقوله :« غُرابٌ نَاعقٌ » و « غِرْبَانٌ نعقة ».
فصل في معنى الحفظة
هؤلاء الحفظةُ هم المذكورون في قوله تعالى :﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله ﴾ [ الرعد : ١١ ].
وقوله :﴿ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد ﴾ [ ق : ١٨ ] وقوله :﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِين كِرَاماً كَاتِبِينَ ﴾ [ الانفطار : ١٠، ١١ ].
والمقصود بهؤلاء الحفَظةِ ضَبْطُ الأعمال ثم اختلفوا فقيل : إنهم يكتبون الطَّاعات والمعاصي والمُباحَات بأسْرِهَا لقوله تعالى :﴿ مَا لهذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا ﴾ [ الكهف : ٤٩ ].
وعن ابن عبَّاسٍ أنَّ مع كُلِّ إنْسَان ملكيْنِ؛ أحدهما : عن يمينه، والآخرُ عن يسارِهِ، فإذا تَكَلَّمَ الإنْسانُ بِحَسَنَةٍ كتبها [ من ] على اليمين، وإذا تكلَّمَ بسيئة قال مَنْ على اليمين للذي على اليَسَارِ : انتظره لَعلَّهُ يتوب منها، فإن لم يَتُبْ كتبت عليه.
والأوَّلُ أقوى؛ لأن قوله :« يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً » يفيد حفظة الكل من غير تخصيص.
والثاني : أنَّ ظاهِرَ هذه الآية يَدُلُّ على اضِّلاعِ هؤلاء الحَفَظةِ على الاقْوالِ والأفْعَالِ أمَّا على صفاتِ القلوب، وهو العِلْمُ والجَهْلُ، فليس في هذه الآيات ما يَدُلُّ على اطِّلاعِهِمْ عليها.
أمَّا في الأقوال، فلقوله تعالى :﴿ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد ﴾