وعن ابن عُمَرَ أن النبي ﷺ دعا في المسجد، فسأله الله ثلاثاً فأعطاه اثنتين، ومنعه واحدة، سأله ألاَّ يُسَلِّطَ على أمته عدواً من غيرهم يظهر عليهم، فأعطاه ذلك، وسأله ألا يهلكهم بالسِّنين، فأعطماه ذلك، وسأله ألاَّ يجعل بَأسَ بضعهم على بَعْضٍ فمنعه ذلك.

فصل في مزيد بيان عن الآية


ظاهر قوله تعالى :﴿ أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا ﴾ أنه يجعلهم على الأهْوَاءِ المختلفة، والمذاهب المُتنافيةِ، والحق منها ليس إلا لواحدٍ، وما سواه فهو باطل، وهذا يقتضي أنه - تعالى- قد يحلم المُكَلَّف على اعتقاد الباطِلِ.
وقوله :﴿ وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْض ﴾ لا شَكَّ أن أكثرها ظُلم ومعصية، وهذا يدل على كونه - تعالى - خالقاً للخير والشر.
وأجاب الخَصْمُ عنه بأنه الآية تَدُلُّ على أنه - تعالى - قادر عليه، وعندنا أن الله - تعالى - قَادِرُ على القُبْحِ، إنما النزاع في أنه - تعالى - هل يفعل ذلك أم لا؟
وأجيب بأن وَجْهَ التَّمَسُّكِ بالآية شيء آخر، فإنه قال :« هُوَ القادرُ » على ذلك، وهذا يفيد الحَصْرَ، فوجب أن يكون غَيْرُ الله غَيْرَ قادر على ذلك، وقد حصل الاختلافُ بين الناس، فثبت بِمُقْتَضَى الحَصْر المذكور ألاَّ يكون ذلك صَادِراً عن غير الله، فوجب أن يكون صادراً عن الله، وهو المطلوب.

فصل في إثبات النظر والاستدلال


قالت المعتزلة والحَشَويَّة : هذه الآية من أدَلِّ الدلائل على المَنْعِ من النظر والاستدلال؛ لأن فَتْحَ تلك الأبواب يفيد وقوع الاختلاف، والمُنازعة في الأديان، وتفريق الخلائقِ إلى هذه المذاهبِ والأديان، وذلك مَذْمُومٌ بهذه الآية، والمُفْضِي إلى المذموم مَذْمُومٌ، فوجب أن يكون فتح باب النظر والاستدلال مَذْمُوماً.
وأجيبوا بالآيات الدالة على وجوب النَّظَرِ والاستدلال كما تقدَّم مِرَاراً.

فصل في قراءة « يلبسكم »


قرأ أبو عبد لاله المدني :« يُلْبِسَكُمْ » بضم الياء من « ألْبَسَ » رباعياً، وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون المفعول الثَّاني مَحْذُوفاً، تقديره أو يُلْبِسكم الفِتْنَةَ، و « شيعاً » على هذا حالٌ، أي : يلبسكم الفِتْنَةَ في حال تفرُّقِكُمْ وشَتَاتِكُمْ.
الثاني : أن يكون « شيعاً » هو المفعول الثاني، كأنه جعل النَّاس يلبسن بعضهم مجازاً كقوله :[ المتقارب ]
٢١٩١- لَبِسْتُ أنَاساً فَأفْنَيْتُهُمْ وأفْنَيْتُ بَعْدَ أنَاسٍ أنَاسَا
والشِّيعَةُ : من يَتَقوَّى بهم الإنسان، والجمع :« شيع » كما تقدم، و « أشْيَاع »، كذا قال الراغب، والظاهر أن « أشْيَاعاً » جمع « شِيعَ » ك « عنب » و « أعْنَاب »، و « ضِلَع » و « أصْلاع » و « شيع » جمع « شِيْعَة » فهو جمع الجمع.


الصفحة التالية
Icon