المقصود : من هذه الآية الرَّدُّ على عبدةِ الأصنام، وهي مؤكدة لقوله تعالى قبل ذلك :﴿ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله ﴾ [ الأنعام : ٥٦ ].
فقوله :« أنَدْعُوا من دون الله » أي : أنعبد من دون الله النَّافِعِ الضَّارِّ ما لا يَقْدرُ لعى نَفْعِنَا إن عبدناهُ، ولا على ضرنا إن تركناه.
قوله :« أنّدْعُوا » استفهام توبيخ وإنكارن والجملة في مَحَلِّ نصب بالقول، و « ما » مفعولة ب « ندعوا »، وهي موصولة أو نكرة موصوفة، و « مِنْ دون الله » متعلِّقٌ ب « ندعوا ».
قال أبو البقاء :« ولا يجوز أن يكون حالاً من الضمير في » يَنْفَعُنَا « ولا معمولاً ل » يَنْفَعُنَا « لتقدُّمهِ على » ما «، والصلة والصفة لا تَعْملُ فيما قبل الموصول والموصوف.
قوله :» من الضمير في يَنْفعنَا « يعني به المرفوع العائد على » ما « وقوله :» لا تعمل فيما قبل الموصول والموصوف « يعني : أن » ما « لا تخرج عن هذين القسمين ولكن يجوز أن يكون » من دون « حالاً من » ما « نفسها على قوله؛ إذ لم يجعل المانع من جعله حالاً من ضميره الذي في » يَنْفَعُنَا « إلاَّ صِناعِياً لا معنوياً، ولا فرق بين الظاهر وضميره بمعنى أنه إذا جازَ أن يكون حالاً من ظاهره، جاز أن يكون حالاً من ضميره، إلا أن يمنع مَانِعٌ.
قوله :» ونُرَدُّ « فيه وجهان :
أظهرهما : أنه نَسَقٌ على » نَدْعُوا « فهو داخل في حيِّز الاستفهام المُتَسَلِّطِ عليه القَوْلُ.
الثاني : أنه حالٌ على إضمار مبتدأ؛ أي : ونحن نُرَدُّ.
قال أبو حيَّان بعد نقله هنا عن أبي البقاء :» وهوضعيف لأضمار المبتدأ، ولأنها تكون حالاً مؤكّدة «، وفي كونها مؤكدة نظرٌ؛ لأن المؤكدة ما فهم معناها من الأوَّلِ، وكأنه يقول : من لازم الدعاء » من دون الله « الارتداد على العقب.
قوله :» عَلى أعْقَابِنَا « فيه وجهان :
أحدهما : أنه معلّق ب » نُرَدُّ «.
والثاني : أنه متعلِّق بمحذوف على أنه حال من مرفوع » نرد « أي : نرد راجعين على أعْقابنا، أو منقلبين، أو متأخرين كذا قدَّرُوهُ، وهو تفسير معنى؛ إذا المُقَدَّرُ في مثله كونٌ مُطلقٌ، وهذا يحتمل أن يقال فيه : إنه حال مؤكدة، و » بعد إذ « مُتعلِّقٌ ب » نُرَدُّ «.
[ ومعنى الآية : ونرد على أعقابنا إلى الشِّرْكِ مرتدين بعد إذ هدانا الله إلى الإسلام.
يقال لكل من أعْرَضَ عن الحق إلى الباطل : إنه رجع إلى خَلْفٍ، ورجع على عَقِبَيْهِ، ورجع القَهْقَرى؛ لأن الأصل في الإنسان الجَهْلُ ثم يترقى ويتعلم حتى يتكاملن ويحصل له العلم.