[ الحج : ٣١ ] ولا شكل أن الإنسان حال هُويِّةِ من المكان المعالي إلى الوهْدةِ العميقة يكون في غايةِ الاضْطرابِ والدهشة والحيرةِ.
والثاني : أنه مُشْتَقٌ من اتِّباعِ الهَوَى والميل، فإنه من كان كذلك، فإنه ربما بلغ النهاية في الحَيْرَةِ.
واعلم أن هذا المثل في غاية الحُسْنِ؛ لأن الذي يَهْوِي من المكان العالي إلى الوَهْدَةِ العميقة، يحصل له كمال التَّرَدُّدِ والدهشة والحيرة؛ لأنه لا يعرف أي موضع يزداد بلاَؤهُ بسبب سقوطه عليه أو يَقِلُّ.
قوله « لَهُ أصْحَابٌ » جملة في مَحَلّ نصب صفة ل « حيران »، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في « حيران »، وأن تكون مستأنفة، و « إلى الهدى » متعلقة ب « يدعونه »، وفي مصحف ابن مسعود وقراءته :« أتينا » بصيغة الماضين و « إلى الهدى » على هذه القراءة معلّق به، وعلى قراءة الجمهور، فالجملة الأمرية في محل نصب بقول مضمر أي يقوللون : أئتنا والقول المضمر في محل صفة لأسحاب وكذلك « يدعونه ». قالوا : نزلت هذه الآية في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه كان يدعو أبَاهُ إلى الكُفْرِ، وأبوه يدعوه إلى الإيمان.
وقيل : المراد أن لذلك الكافر الضَّالِّ أصحاباً يدعونه إلى ذلك الضَّلالِ، ويسمونه بأنه هو الهدى، والصحيح الأوَّل.
ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى ﴾ يَزْجُرُ بذلك عن عبادة الأصنام، كأنه يقول : لا تفعل ذلكن فإن الهُدَى هُدَى الله لا هادي غيره. قوله :« وأمِرْنَا لِنُسْلِمَ » في هذه « اللام » أقوال :
أحدها : وهو مذهب سيبويه أن هذه اللام بعد الإرادة للقيام، والأمر للذَّهاب، كذا نقل أبو حيَّان ذلك عن سيبويه وأصحابه، وفيه ضَعْفٌ تقدَّم في سورة النساء عند قوله :﴿ يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٦ ].
الثاني : أن مفعول الأمر والإرادة محذوف، وتقديره : وأمرنا بالإخلاص لنسلم.
الثالث : قال الزمخشري : هي تَعْلِيلٌ للأمر بمعنى أمرنا وقيل لنا أسلموا لأجل أن نسلم.
الرابع : أن « اللام » زائدة؛ أي : أمرنا أن نسلم.
الخامس : أنها بمعنى « الباء » أي بأن نسلم.
السادس : أن « اللام » وما بعدها مفعول الأمر واقعة موقع « أن » أي : أنهما مُتعاقِبَانِ، فتقول : أمرتك لتقوم، وأن تقوم، وهذا مذهب الكوفيين.
وقال ابن عطية : ومذهب سبيويه أن « لِنُسْلِمَ » في موضع المفعول، وأن قولك : أمرت لأقوم وأن أقوم بيجريان سواءً وقال الشاعر :[ الطويل ]
٢٠٤٤- أُرِيدُ لأنْسَى حُبَّهَا فَكَأنَّمَا | تَمثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ طَرِيقِ |
قوله « وأنْ أقِيمُوا » فيه أقوال :
أحدها : أنها في مَحَلِّ نصب بالقول نَسَقاً على قوله :« إنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُدَى » أي : قل هذين الشيئين.