والثاني : أنه نَسَقٌ على « لنسلم » أي : وأمرنا بكذا للإسلام، ولنقيم الصلاة، و « أن » تُوصل بالأمر كقولهم : كتب إليه بأن قم، حكاه سبيويه وهذا رَأيُ الزَّجَّاج.
والثالث : أنه نَسَقٌ على « ائْتِنَا » قال مكي : لأن معناه :« أن ائتنا »، وهو غير ظاهر.
والرابع : أنه مَعْطُوفٌ على مفعول الأمر المقدر، والتقدير : وأمرنا بالإيمان، وبإقامة الصلاة قاله ابن عطية.
قال أبو حيَّان : وهذا لا بأس به، إذ لا بُدَّ من تقدير المفعول الثاني ل « أمرنا » ويجوز حذف المعطوف عليه لِفَهْمِ المعنى؛ تقول : أضَرَبْتَ زيداً؟ فيجب نعم وعمراً؛ والتقدير : ضربته وعمراً.
وقد أجاز الفراء :« جاءني الذي وزيد قائمان »، التقدير : الذي هو وزيد قائمان، فحذف « هو » لدلالة المعنى عليه، وهذا الذي قاله أنه لا بأس به ليس من أصول البصريين.
و « أما نعم وعمراً » فلا دلالة فيه؛ لأن « نعم » قامت مقام الجملة المحذوفة.
وقال مكي قريباً من هذا القول، إلاَّ أنه لم يُصَرِّحْ بحذف المعطوف عليه، فإنه قال : و « أن » في موضع نَصْب بحذف الجارِّ، تقديره : وبأنْ أقيموا، فقوله : وبأن أقيموا هو معنى قول ابن عطية، إلاَّ أن ذلك [ أوضحه ] بحذف المعطوف عليه.
وقال الزمخشري : فإن قلت : علام عطف قوله :« وأن أقيموا » ؟ قلت : على موضع « لنسلم » كأنه قيل : وأمرنا أن نسملم، وأن أقيموا.
قال أبو حيَّان : وظاهر هذا التقدير أن « لنسلم » في موضع المفعُولِ الثاني ل « أمرنا » وعطف عليه :« وأن أقيموا » فكتون اللام على هذا زَائِدَةً، وكان قد تقدَّم قبل هذا أن « اللام » تعليل للأمر، فتناقض كلامه؛ لأن ما يكون عِلَّةً يستحيل أن يكون معفولاً، ويدلُّ على أنه أراد بقوله :« أن نسلم » في موضع المفعول الثاني قوله بعد ذلك : ويجوز أن يكون التقدير : وأمرنا لأن نسلم، ولأن أقيموا، أي للإسلام ولإقامة الصلاة، وهذا قول الزَّجَّاجِ، فلو لم يكن هذا القول مغايراً لقوله الأوَّل لاتَّحَدَ قَوْلاَهُ، وذلك خُلْفٌ.
قال الزَّجَّاج :« أن أقيموا » عطف على قوله « » لنسلم «، تقديره : وأمرنا لأن نسلم، وأن أقيموا.
قال ابن عطية : واللَّفْظُ يُمانِعُهُ، لأن »
نسلم « معرب، و » أقيموا « مبني، وعطف المبني على المعرب لا يجوز، لأن العطف يقتضي التَّشْرِيكَ في العامل.
قال أبو حيان : وما ذكر من أنه لا يعطف المبني على المعرب ليس كما ذكر، بل يجوز ذلك نحو :»
قام زيد وهذا «، وقال تعالى :﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار ﴾ [ هود : ٩٨ ] غَايَةُ ما في الباب أن العامل يُؤثِّرُ في المعرب، ولا يُؤثِّرُ في المبني، وتقول :» إن قام زيد ويقصدني أكرمه «، ف » إن « لم تُؤثِّرْ في » قام « ؛ لأنه مبني، وأثرت في » يقصدني « ؛ لأنه معرب ثم قال ابن عطية :» اللهم إلا أن تجعل العطف في « إن » وحدها، وذلك قلق، وإنما يَتَخَرَّجُ على أن يقدر قوله :« وأن أقيموا » بمعنى « ولنقم »، ثم خرجت بلفظ الأمر لما في ذلك من جزالةِ اللفظ، فجاز العطفُ على أن يلغي حكم اللفظ، ويعول على المعنى، ويشبه هذا من وجهة ما حكاهُ يونس عن العرب : ادخلوا الأوَّل فالأوَّل، وإلا فلا يجوز إلاَّ الأول فالأوَّل بالنصب «.


الصفحة التالية
Icon