واختَلَفُوا في كَيْفِيَّة القَتْلِ والصَّلْب، فظاهر مَذْهَبِ الشَّافعيّ : أنه يُقْتَل ثم يُصْلَب، وقيل : يُصْلب حيّاً ثم يُطْعَن حتى يموت مصْلُوباً، وهو قول اللَّيْث بن سَعْد، وقيل : يُصْلَب ثلاثة أيَّام، ثم ينزل ثم يُقْتَل، وإذا قَتَلَ يُقْتَلُ حتماً، لا يسقط بعَفْو وَلِيّ الدَّم.
واختُلِفَ في النَّفْي : فقال سعيد بن جُبَيْر، وعُمَرُ بن عَبْد العزِيز : أنَّ الإمام يطلبه ففي كُلِّ بلد يُوجَد ينفى عنه، وقيل : يُطْلَبُون ليُقَام عليهم الحُدُود، وهو قول ابن عبَّاس، واللَّيث بن سَعْد، وبه قال الشَّافعي، وإسْحَاق.
وقال أبو حنيفة : النَّفْي هو : الحبس، وهو اخْتِيَار أهْل اللُّغَة.
قالوا : لأن قوله ﴿ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض ﴾ : إمَّا أن يكُون المُرَادُ به النَّفي من جميع الأرْضِ، وذلك غير مُمْكِن مع بَقَاءِ الحياة، [ وإمَّا ] أن يكون المُرَاد إخراجه من تلك البلدة إلى بَلْدَةٍ أخرى وهو غَيْر جَائِزٍ، لأنَّه إمَّا أن يُنْفَى من بِلاد الإسْلام فَيُؤذيهم، أو إلى بِلاد الكُفْر فيكون تَعْرِيضاً له بالرِّدَّة، وذلك غَيْرُ جَائِزٍ، فلم يَبْقَ إلاَّ أنْ يكُون المُراد من النَّفْي نَفْيهُ عن جميعِ الأرْض إلى مكانِ الحَبْس قالوا : والمَحْبُوس : قد يُسَمَّى منفياً من الأرض لأنه لا يَنْتَفِع بشيء من طَيِّبَات الدُّنيا ولذَّاتها، ولا يرى أحَداً من أحبابه، فصار منفياً عن اللَّذات والشَّهَوات والطَّيِّبات فكان كالمَنْفِي في الحقيقةِ، ولما حَبَسُوا صالح بن عبد القُدُّوس على تُهْمَة الزَّندقة في حبس ضيقٍ وطال لَبْثه هُنَاك ذكر شِعْر منه :[ الطويل ]
١٩٥٧- خَرَجْنَا مِنَ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنَ اهْلِهَا | فَلَسْنَا مِنَ الأمْوَاتِ فِيهَا ولا الأحْيَا |
١٩٥٨- إذا [ جَاءنَا ] السَّجَّانُ يَوْماً لِحَاجَةٍ... عَجِبْنَا وَقُلْنَا : جَاءَ هَذَا مِنَ الدُّنْيَا
قوله تعالى :﴿ ذلك لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدنيا ﴾.
« ذلك » إشارةٌ إلى الجزاء المُتقدِّم، وهو مُبْتَدأ.
وقوله :« لَهُمْ خِزْيٌ » فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكُون « لهم » خبراً مُتقدِّماً، و « خِزْي » مُبْتَدأ مُؤخَّر، و « فِي الدُّنْيا » صِفَةٌ له، فيتعلق بمحذُوف، أو يتعلَّق بنفس « خِزْي » على أنَّه ظَرْفيَّة، والجُمْلَة في محلِّ رفع خبر ل « ذَلِكَ ».
الثاني : أن يكون « خِزْي » خبراً ل « ذلك »، و « لهم » مُتعلِّق بمحذُوف على أنَّه حال من « خِزْي » ؛ لأنَّه في الأصْل صِفَةٌ له، فلمَّا قُدِّم انْتَصَب حالاً.
وأمَّا « في الدُّنْيَا » فيَجُوز فيه الوجهان المتقدِّمان من كونهِ صِفَةً ل « خزي » أو مُتعلِّقاً به، ويجُوزُ فيه أن يكون مُتعلِّقاً بالاسْتِقْرَار الذي تعلَّق به « لَهُم ».