والضمير في « آثارهم » : إمَّا للنبيين؛ لقوله :﴿ يَحْكُمُ بِهَا النبيون ﴾ [ المائدة : ٤٤ ] وإمَّا لِمَنْ كُتِبَتْ عليهم تلك الأحْكَامُ، والأول أظهر؛ لقوله في موضع آخر :﴿ برسلنا وقفَّينا بعيسى ابن مريم ﴾.
و « مصدقاً » حال من « عيسى ».
قال ابن عطية : وهي حال مؤكّدة، وكذلك قال في « مصدقاً » الثانية، وهو ظاهرٌ فإن مَنْ لازم الرَّسول والإنجيل الذي هو كتاب إلهي أن يكونا مصدِّقَيْن.
و « لما » متعلّق به.
وقوله :« من التوراة » حال : إما من الموصول، وهو « ما » المجرورة باللام، وإما من الضمير المستكنّ في الظرف لوقوعه صِلَةً، ويجوز أن تكُون لبيان جِنْسِ الموصول.
قوله تعالى :﴿ وَآتَيْنَاهُ الإنجيل ﴾ يجوز فيها وجهان :
أحدهما : أن تكون عطفاً على قوله :« وَقَفَّيْنَا » فلا يكون لها مَحَلٌّ، كما أن المعطوف عليه لا مَحَلَّ له، ويجوز أن تكون في مَحَلِّ نصب على الحال عَطْفاً على « مصدقاً » الأوَّل إذا جعل « مصدقاً » الثاني حالاً من « عيسى » أيضاً كما سيأتي، [ ويجوز أن تكون الجملة حالاً ] وإن لم يكن « مصدقاً » الثاني حالاً من « عيسى ».
قوله تعالى :« فيه هدى » يجوز أن يكون « فيه » وحده حالاً من الإنجيل، و « هدى » فاعل به؛ لأنه لما اعتمد على ذِي الحَالِ رفع الفاعل ويجوز أن يكون « فيه » خبراً مقدّماً، « وهدى » مبتدأ مؤخر، والجملة حال، و « مصدقاً » حال عَطْفاً على محل « فيه هدى » بالاعتبارين أعني اعتبار أن يكون « فيه » وَحْدَهُ هو الحال، فعطفت هذه الحال عليه، وأن يكون « فيه هدى » جملة اسمية محلُّها النصب، و « مصدقاً » عطف على محلِّهَا، وإلى هذا ذَهَبَ ابن عطية، إلاّ أن هذا مرجوحٌ من وجهين :
أحدهما : أن أصل الحال أن تكون مفردة، والجار أقرب إلى المفرد من الجمل.
الثاني : أن الجملة الاسمية الواقعة حالاً، الأكثر أن تأتي فيها بالواو، وإن كان فيها ضميرٌ - حتى زعم الفراء - وتبعه الزمخشري أن ذلك لا يجوز إلا شاذّاً، وكونُ « مصدقاً » حالاً من « الإنجيل » هو الظاهر.
وأجاز مكي بن أبي طالب - وتبعه أبو البقاء - أن يكون « مصدقاً »، الثاني حالاً أيضاً من عيسى « كُرِّرَ توكيداً.
قال ابن عطية :» وهذا فيه قَلَقٌ من جهة اتساق المعاني «.
قال شهاب الدين : إذا جعلنا » وآتيناه « حالاً منه، وعطفنا عليها هذه الحال الأخرى، فلا أدْرِي وجْه القلقِ من الحيثية المذكورة؟
وقوله :» وهدى « الجمهور على النَّصْبِ، وهو على الحال : إمَّا من » الإنجيل «، عطفت هذه الحال على ما قبلها، وإمَّا من » عيسى « أي : ذا هُدًى وموعظة، أو هادياً، أو جعل نفس الهدى مبالغة.