لمَّا بيَّن في الآيات المتقدمة فساد طريقة عبادة الأصنام ذكر هاهنا ما يدل على أنْ لا معبود إلاَّ الله، وذكرها هاهنا أنواعاً من الدلائل :
أحدهما : قوله :﴿ وَهُوَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بالحق ﴾ تقدم أول السورة.
وقوله :« بالحق » قيل : الباء بمعنى اللام، أي إظهار للحق؛ لأنه جعل صُنْعَهُ دليلاً على وحدانيته، فهو نظير قوله :﴿ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً ﴾ [ آل عمران : ١٩١ ]، وقوله :﴿ وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ ﴾ [ الدخان : ٣٨ ].
وثانيها : قوله :﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ﴾ في « يوم » ثمانية أوجه :
أحدهما :- وهو قول الزَّجَّاج- أنه مفعول به لا ظرْفٌ، وهو معطوف على الهاء في « اتقواه » أي : واتقوا يوماً أي : عقاب يوم يقول، أو هوله أو فزعه، فهو كقوله تعالى في موضع آخر :﴿ واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي ﴾ [ البقرة : ٤٨ ] على المشهور في إعرابه.
والثاني : أنه مفعول به أيضاً، ولكنه نَسَقٌ على السموات والأرض، أي : وهو الذي خَلَقَ يوم يقول.
الثالث : أنه مفعول ل « اذكر » مقدراً.
الرابع : أنه منصوب بعامل مقدر، وذلك العامل المُقّدَّرُ مفعول فعل مقدر أيضاً، والتقدير : واذكروا الإعادة يوم يقول : كن، أي يوم يقول الله للإجساد : كوني مُعَادَةً.
الخامس : أنه عَطْفٌ على موضع قوله :« بالحق » فإن موضعه نَصْبٌ، ويكون « يقول » بمعنى قال ماضياًن كأنه قيل : وهو اذي خلق السموات والأرض بالحق ويوم قال لها : كن.
السادس : أن يكون « يوم يقول : كن فيكون، وإليه ننحا الزمخشري، فإنه قال :» قوله الحق « مبتدأ، و » يوم يقول « خبره مقدماً عليه، وانْتِصَابُهُ بمعنى الاستقرار، كقولك :» يوم الجمعة القتال « واليوم بمعنى الحينِ، والمعنى : أنه خلق السموات والأرض قائماً بالحكم، وحين يقول لشيء من الأشياء : كن فيكون ذلك الشيء قوله الحق والحكمة.
فإن قيل : قول الله حَقّ في كل وقت، فما الفائدةُ في تخصيص هذا اليوم بهذين الوصفين؟ فالجواب : لأن هذا اليوم لا يَظْهَرُ فيه من أحَدٍ نَفْعٌ ولا ضر، كما قال تعالى :﴿ يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً ﴾ ﴿ والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ [ الانفطار : ١٩ ] فلهذا السبب حَسُنَ هذا التخصيص.
السابع : أنه مَنْصُوبٌ على الظرف، والناصب له معنى الجملة التي هي »
قوله الحق « أي : حق قوله في يوم يقول : كن.
الثامن : أنه مَنْصُوبٌ بمحذوف دلَّ عليه بالحق.
قال الزمخشري : وانْتِصَابُ اليوم بمحذوف دلَّ عليه قوله :»
بالحق «، كأنه قيل :» وحين يكون ويقدر يقوم بالحق « قال أبو حيان :» وهذا إعراب مُتَكَلَّفٌ «.
قوله :»
فيكون « هي هنا تامَّةٌ، وكذلك قوله :» كُنْ « فتكتفي هنا بمرفوع، وتحتاج إلى منصوب، وفي فاعلها أربعة أوجه :
أحدها : أنه ضمير جميع ما يخلقه الله - تعالى - يوم القيامة، كذا قَيَّدَهُ أبو البقاء بيوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon