[ الإسراء : ٩٠ ].
وقيل : إن النَّبِيَّ ﷺ كان يُخْبِرُهم : بأنَّ عذاب الاسْتِئْصال كان يَنْزِل بالأمَمِ المَاضية الذين كذَّبُوا أنْبِيَاءَهُم، فالمُشْرِكون طَلَبُوا مِثْلَها.
قوله :« إنَّما الآيَاتُ عِنْد اللَّه » ذكروا في لَفْظِةِ « عِنْد » وجوهاً :
فقيل : معناه : أنه - تبارك وتعالى - هو المُخْتَصُّ بالقُدْرَة على أمْثَال هذه الآيات دون غَيْره؛ أن المُعجِزَات الدَّالَّة على النُبُّوَّات، شرطها أن لا يَقْدِر على تَحْصيها أحَد إلى الله - تعالى-.
وقيل : المُراد بالعِنديَّة : أن العِلْم بأن إيجاد هذه المُعْجِزَات، هل يَقتضي إقْدَام هؤلاء الكُفَّار على الإيمان أم لا؟ ليْس إلا عِنْد اللَّه، كقوله :﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ].
وقيل : المراد : أنَّها وإن كانت مَعْدومة في الحالِ، إلا أنَّه - تعالى - متى شَاءَ، أوْجَدَها، فَهِي جَارِيَةٌ مُجْرى الأشْيَاء الموضُوعة عِنْد اللَّه، يُظْهِرهَا متى شاء، وليْس لكُم أنْ تَتَحَكَّموا في طَلَبِها، ولَفْظ « عند » على هذا؛ كما قي قوله :﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ [ الحجر : ٢١ ].
قوله :« وَمَا يُشْعِرُكُم » « ما » : استِفْهَامِيَّة مُبْتَدأ، والجملة بَعْدَها خَبْرُهَا، وفاعل « يُشْعِر » يعود عَلَيْها، وهي تتعدى لاثْنَيْن.
الأوَّل : ضمير الخطاب.
والثاني : مَحْذُوف، أي : وأيُّ شَيءْ يدرِيكُم إيمانُهم [ إذا جَاءَتْهُم الآيَات التي اقْترَحُوها.
قال أبو علي :« مَا » استِفْهَام، وفَاعِل « يُشْعِرُكُم » ضمير « مَا » والمعنى : وما يُدْرِيكم إيمانهم؟ فحذف المَفْعُول، وحذف المفعُول كَثِير ].
والمعنى أي : بِتَقْدير أنْ تَجِيئَهم هَذِه الآيَات، فهم لا يُؤمِنُون.
وقرأ العامَّة : انها بِفَتْح الهَمْزة، وابن كثيرٍ وأبُو عَمْرو، وأبُوبَكْر بخلاف عنه بِكَسْرِها.
فأما قرءاة الكَسْر : فَوَاضِحَة اسْتجودها النَّاس : الخَلِيل وغيْره، لأن معناها : اسْتِنَاف إخْبَار بعدم إيمان من طُبع على قَلْبِه، ولو جَاءَتْهُم كلُّ آيَة.
قال سيبويه : سَألْتُ الخَلِيل عن هذه القراءة عين : قِرَاءة الفَتْح فَقُلْت : ما مَنَع أن يكُون كقولك : ما يُدْرِيك أنّه لا يَفْعل؟ فقال : لا يَحْسُن ذلك في هذا المَوْضِع، إنَّما قال :« ومَا يُشْعِرُكم » ثم ابْتِدأ؛ فأوْجَب، فقال :« إنَّها غذا جَاءَت، لا يُؤمِنُون » لو فتحن فقال :« وما يُشْعِرُكُم أنَّها إذا جَاءَتْ لا يُؤمِنُون »، لكان عُذْراً لهم، وقد شرح النَّاس قَوْل الخَلِيل، وأوْضَحُوه، فقال الواحدي وغيره : لأنَّك لو فَتَحْت « أنّ » وجَعَلْتَها الَّتِي في نَحْو : بَلَغَنِي أنَّ زيداً مُنْطَلِق، لكان عُذْراً لمنَ أخبر عَنْهُم أنَّهم لا يُؤمِنُون؛ لأنَّه إذا قال القَائِل :« إنَّ زَيْداً لا يُؤمِن » فقلت : وما يُدْرِيك أنَّه لا يُؤمِن؟ كان المَعْنَى : أنه يُؤمِن، وإذا كان كذلك، كان عُذْراً لمن نفي عنه الإيمان، وليس مُرادُ الآية الكريمة، إقامة عُذْرهم، ووجود إيمانهم.
وقال الزَّمَخْشَري :« وقُرِئ » إنَّها « بالكَسْر؛ على أنَّ الكلام قد تمَّ قبْله بِمَعْنَى :» مَا يُشْعِرُكُم ما يَكُون مِنْهُم « ثمَّ أخبَرَهم بِعِلْمه فِيهِم، فقال : إنَّها إذَا جَاءَت، لا يُؤمِنُون ».