وأما قِرَاءة الفَتْح : فقد وَجَّهَها النَّاسُ على سِتَّة أوْجُه :
أظهرها : أنَّها بمعنى : لَعَلَّ، حكى الخَلِيل « أتيت السُّوق أنَّك تَشْتَرِي لَنَا مِنْهُ شَيْئاً »
أي :« لَعَلَّك » فهذا من كلام العرب - كما حَكَاه الخَلِيل - شَاهد على كَوْن « أنَّ » بِمَعْنَى لَعَلَّ وانْشَد أبو جَعْفَر النَّحَّاس :[ الطويل ]

٢٢٨٠- أرينِي جَوَاداً مَاتَ هُزْلاً لأنَّنِي أرَى ما تَرَيْنَ أوْ بَخِيلاً مُخَلَّدَا
وقال امرؤ القيس - أنشده الزَّمَخْشَريُّ - [ الكامل ]
٢٢٨١- عُوجَا على الطَّلَلِ المُحِيل لأنَّنَاِ بنْكِي الدِّيارَ كَمَا بَكَى ابنُ حِذَامِ
وقال جري :[ الوافر ]
٢٢٨٢- هَل أنْتُمْ عَائِجُونَ بِنَا لَعَنَّا نَرَى العَرَصَاتِ أوْ أثَرَ الخِيَامِ
وقال عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ :[ الطويل ]
٢٢٨٣- أعَاذِل مَا يُدْريكَ أنَّ مَنْيَّتِي إلى سَاعَةٍ في اليَوْمِ أوْ فِي ضُحَى الغَدِ
وقال آخر :[ الزجر ]
٢٢٨٤- قُلْتُ لِشَيْبَانَ ادْنُ مِنْ لِقَائِهْ أنَّا نُغَذِّي النَّاسَ مِنْ شِوَائِهْ
ف « أنَّ » في هذه المواضِع كلِّها بِمَعْنَى :« لعلَّ » قالوا : ويدلُّ على ذَلِك أنَّها في مُصْحَف أبَيِّ وقراءته :« وما أدْرَاكُم لعلَّها إذا جَاءَتْ لا يُؤمِنُون » ونُقِل عنه :« وما يُشْعِرُكم لعلِّها إذَا جَاءَت لا يُؤمِنُون » ذكر أبُو عُبَيْد وغيره، ورَجَّحُوا ذلك أيْضاً بأنَّ « لَعَلَّ » قد كَثُر ورودُها في مِثْل هذا التَّركِيب؛ كقوله - تعالى - :﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ ﴾ [ الشورى : ١٧ ]، ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى ﴾ [ عبس : ٣ ]، وممَّن جعل « أنَّ » بِمَعْنَى :
« لعل » أيْضاً، يَحْيَى بن زِيَاد الفرّاء.
ورجَّح الزَّجَّاج فقال :« زعم سِيبوَيْه عن الخَلِيل، أن مَعْنَأها :» لَعَلَّهَا « قال :» وهَذَا الوَجْه أقْوى في العَرَبِيَّة وأجود « ونَسَب القراءة لأهْل المدين’ن وكذا أبُو جَعْفَر.
قال شهاب الدِّين : وقراءة الكُوفيِّين، والشَّامِيِّين أيضاً، إلاَّ أن أبَا عَلِيَّ الفارسيَّ ضعَّف هذا القَوْل الَّذِي استجوده النَّاسُ، وقوَّوْهُ تَخْريجاً لهذه القِراءة، فقال :»
التَّوَقُّع الَّذِي تدلّ عليه « لَعَلَّ » لا يُنَاسب قراءة الكَسْر، لأنها تدلُّ على حُكْمِه - تعالى - عليهم بأنَّهم لا يُؤمِنُون « ولكنَّه لمَّا مَنَعَ كونها بِمَعْنَى :» لعل « لم يَجْعَلءها مَعْمُولة ل » يُشْعِرُكُم « بل جَعَلها على حَذْف لام العِلَّة، أي : لأنَّها، والتَّقْدِير عنده :» قل إنَّما الآياتِ عِنْد اللَّهِ، لأنَّها إذا جَاءَت لا يُؤمِنُون «. فهو لا يَأتِي بَهَا؛ لإصْرارهم على كُفْرِهم، فيَكُون نَظِير :﴿ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون ﴾ [ الإسراء : ٥٩ ]، أي بالآيات المُقْتَرحة، وعلى هذا فيَكُون قوله :» وما يُشْعِرُكُم « اعتِرَاضاً بين العِلَّة والمَعْلُول.
الثاني : ان تكون »
لاَ « مَزِيدة، وهذا رَأي الفرَّاء وشيخه، قال : ومثله :﴿ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ ﴾ [ الأعراف : ١٢ ] أي :» أنْ تَسْجُد « فيكون التَّقْدير : وما يُشْعِرُكُم أنَّها إذا جَاءَت يُؤمِنون، والمعنى على هذا : أنَّها لو جَاءَت لم يُؤمِنُوا، وإنما حمله على زِيَادَتِها ما تقدَّم من أنَّها لو تُقدَّر زَائِدة، لكان ظَاهِرُ الكلام عُذْراً لكُفَّار، وأنَّهم يُؤمِنون كا عرفت تَحْقيقه أولاً، إلا أن الزَّجَّاج نسب ذلك إلى الغَلَط، فقال :» والَّذِي ذكر أنَّ « لا » لَغْو، غالط؛ لأن ما يَكُون لَغْواً، لا يكون غَيْر لَغْوٍ، ومن قَرَأ بالكَسْر، فالإجْمَاع : على أنَّ « لا » غير لَغْو « فليس يَجُوز أن يكُون مَعْنَى لفظة : مرةً النَّفي، ومرَّة الإيجاب في سِيَاق واحد.


الصفحة التالية
Icon