وانصر الفارسيّ لقول الفرَّاء، ونفي عنه الغَلَط، فإنَّه قال :« يجوزُ أن تكون » لا « في تأويل زائِدةً، وفي تَأويل غَيْر زَائدة؛ كقول الشَّاعر في ذلك :[ الطويل ]
يُنشد بالوَجْهَيْنِ، أي : بِنَصْب » البُخْل « وجرِّه، فَمَنْ نَصَبَه، كانت زائدة، أي :» أبَى جُودُه البُخْلَ « ومَنْ خَفَضَ، كانت غَيْر زَائِدة، وأضَافَ » لاَ « إلى البُخْلِ ».٢٢٥٨- أبى جُودُهُ لا البُخْلَ واسْتَعْجَلَتْ نَعَمْ بِهِ مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُودَ نَائِلُهْ
قال شهاب الدِّين : وعلى تَقْدير النَّصْب، لا يَلْزَم زِيَادتها؛ لجوازِ أن تكُون « لا » مَفْعُولاً بِهَا، و « البُخْل » بدل مِنْهَا، أي « أبَى جُودُه لَفْظَ » لا « ولفظ » لا « هو بُخْل ». وقَدْ أوائل لك طَرف من هذا محقَّقاً عند قوله - تعالى - ﴿ وَلاَ الضآلين ﴾ [ الفاتحة : ٧ ] [ في أوائل هذا الموضوع ] وسَيَمُرُّ بك مَوَاضِع مِنها؛ كقوله - تعالى - :﴿ وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٩٥ ].
قالوا : تَحْتَمل الزِّيَادة، وعدمها وكذا ﴿ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ ﴾ [ الأعراف : ١٢ ]، ﴿ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب ﴾ [ الحديد : ٢٩ ].
الثالث : أن الفَتح على تَقْدِير لام العِلَّة، والتَّقْدير :« إنما الآيات التي يَقْتَرِحُونها عِنْد اللَّه؛ لأنَّها إذا جَاءتَ لا يُؤمِنُون »، و « ما يُشْعِرُكُم » اعتِرَاض كما تقدَّم تَحْقيق ذلك عن أبي عَلِيِّ، فأغنى عن إعَادَتِهِ، وصار المَعْنَى :« إنَّما الآيَات عند اللَّه، أي : المُقْترحة لا يأتي بِهَا؛ لانْتِفَاء إيمانهم، وإصْرارِهْم على كُفْرِهم ».
الرابع : أن في الكلام حَذْف مَعْطُوف على ما تقدَّم.
قال أبُو جَعْفَر في مَعَانيه : وقيل في الكلام حَذْف، والمعنى : وما يُشْعِرُكم أنَّها إذا جاءت لا يُؤمِنُون أو يُؤمِنُون، فحذفَ هذا لِعْلِم السَّامِعِ، وقدَّرَه غَيره :« ما يُشْعِرُكُم بانْتِفَاء الإيمان، أو وقُوعه ».
الخامس : أن « لا » غير مزيدة، ولي في الكلام حَذْف، بل المَعْنَى :« وما يُدريكم انتِفَاء إيمانهم » ويكون هَذَا جواباً لمن حُكِم عليْهم بالكُفر ويُئسِ من إيمانهِمِ.
وقال الزّمَخْشَرِي :« وما يُشْعِرُكم : وما يُدْرِيكثم أنها، أي : أن الآيات التي يَقترِحُونها » « إذا جاءت لا يُؤمِنُون بِهَا » يَعْنِي :« أنَا أعلم أنَّها إذا جَاءَت لا يُؤمِنُون بِهَا، وأنتم لا تَدْرُون بِذَلك ».