قال القرطبي : وزيدت الواو النافية للمبالغةِ، وقد تقدم ذلك عند ذكر ﴿ الطاغوت ﴾ [ البقرة : ٢٥٦ ]
والجمهور على « ملَكُوت » بفتح اللام.
وقرا أبو السَّمَّال بسكونها، وهي لغةن والجمهور أيضاً على « ملكوت » بتاء مثناة.
وعكرمة قرأها مثلثة، وقال : أصلها « ملكوثا » باليونانية أو بالنبطية.
وعن النخعي هي « ملكوثا » بالعبرانية، وعلى هذا قراءة الجمهور يحتمل أن تكون من هذا، وإنما عُرِّبَتِ الكلمة فَتَلاعَبُوا بها، وهذا كما قالوا في اليهود بأنهم سُمُّوا بذلك لأجل يَهُوذَا بن يعقوب بذال معجمة، ولكن لما عُرَّبَتْهُ العرب أوا بالدَّال المهملة، إلا أن الأحْسَنَ أن يكون مُشْتَقًّا من المُلْكِ؛ لأن هذه الزِّنَةَ وَرَدَتْ في المصادر ك « الرَّغبوت » و « الرَّهَبُوت » و « الرَّحَمُوت » و « الجَبرُوت » و « الطَّاغُوت » وهل يختص ذلك بمُلْكِ الله تعالى أم يقال له ولغيره؟.
فقال الراغب :« والملكُوت مُخْتَصٌ بمُلْكِا لله تعالى وهذا الذي ينبغي ».
وقال أبو حيَّان :« ومن كلامهم : له ملكوت اليمن، وملكوت العراق »، فعلى هذا لا يختص.
والجمهور على « نرى » بنون العظمة.
وقرئ :« تُري » بتاء من فوق « إبراهيم » نصباً، « ملكوت » رفعاً، أي : تريه دلائل الربوبية، فأسند الفعل إلى الملكوت مُؤوَّلاً بمؤنث، فلذلك أنَّثَ فعله.
فصل في المراد بالآية
قال ابن عبَّاسٍ، يعني خلق السموات والأرض.
وقال مجاهد، وسعيد بن جبير : يعني مَلَكُوت السموات والأرض، وذلك أنه أقيمَ على صخرة وكشف له عن السموات والأرض حتى العرش، وأسف الأرضين ونظر إلى مكانه في الجنة فذلك قوله :﴿ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدنيا ﴾ [ العنكبوت : ٢٧ ]، أي : أريناه مكانه في الجنة.
وروي عن سلمان ورفع بعضهم عن علي لما رأى إبراهيم ملكُوتَ السموات والأرض أبصر رجلاً على فاحشة فدعا عليه فهلك ثم أبصر آخر فأراد أن يدعو عليه فقال له تعالى يا إبراهيم إنك رجل مستجاب الدعوة فلا تَدْعُ على عبادي فإنما أنا من عبدي على ثلاث خلال إما أن يتوب فأتوب عليه وإما أن أخرج منه نسمة تعبدني، وإما أن يبعث إليَّ فإن شئت غفرت له وإن شئت عاقبته.
وفي رواية عن ابن عباس : وأما من يتولى فإن جهنم من ورائه. وعن القاضي في هذه الرواية من وجوه :
أحدهما أن اهل السماء من الملائكة المقرّون، وهم لا يعصون الله.
وثانيها : أن الأنبياء لا يدعون بهلاك المُذْنبِ إلا عن أمر الله وإذا أذن الله فيه لم يَجُزْ أن يمنعه من إجابة دعائه.
وثالثها : أن ذلك الدُّعاء إما أن يكون صواباً أو خطأ؛ فإن كان صواباً فلم ردَّهُ فيا لمرة الثانية؟ وإن كان خطأ فلم قبلهُ في المرة الأولى؟ ثم قال وأخبار الآحاد إذا وردت على خلاف المعقول وجب التَّوَقُّف فيها.