٢٣٠٤- وحَلأهَا عَنْ ذِي الأرَاكَةِ عَامِرٌ | أخُو الخُضْرِ يَرْمِي حَيْثُ تُكْوَى النَّوَاجِزُ |
فقال الحوفِيُّ :» لَيْسَتْ ظَرْفاً؛ لأنه تعالى لا يكُون فِي مكانٍ أعْلمَ منه في مكانِ آخر، وإذَا لم تكن ظَرْفاً، كان مَفْعُلاً بها؛ على السِّعَةِ، وإذا كانت مَفْعُولاً، لم يعملْ فيها « أعْلَمُ » ؛ لأن « أعْلَمُ » لا يعملُ في المفعولِ بهِ فيقدّرُ لها فِعْلٌ « وعبارةُ ابْنِ عطيَّة، وأبِي البَقَاءِ نحو مِنْ هذا.
وأخذ البرِيزيُّ كلام الفارسيِّ [ فنقله ]، وأنْشدَ البيتَ المتقدِّمَ.
والثاني : أنَّها باقيةٌ على ظَرْفِيَّتِهَا بطري المجاز، وهذا القولُ لَيْسَ بشيءٍ، ولكنْ أجَازَهُ أبُو حيَّان مختاراً له على ما تقدم.
فقال :» وما أجازُواه مِنْ أنَّهُ مفعولٌ به على السعة أو مفعولٌ به على غيْرِ السعة- تَأبَاهُ قواعِدُ النَّحْو؛ لأن النحويِّينَ نَصُّوا على أنَّ « حَيْثُ » مِنَ الظرُوفِ التي لا تتصرفُ، وشذَّ إضافةُ « لَدى » إليها، وجرِّها « بالياء »، وب « في »، ونصُّوا على أن الظرف المتوسَّعَ فيه لا يكونُ إلاَّ مُتَصرِّفاً، وإذا كان كذلك، امتنع نصبُ « حَيْثُ » على المفعُولِ به، لا على السِّعَة، ولا على غَيْرها.
والذي يَظْهَرُ لِي إقْرارُ « حَيْثُ » على الظَّرفيةِ المجازيَّةِ، على أنْ يُضَمَّنَ « أعْلَمُ » مَعْنَى ما تيعدِّى إلى الظرفِ، فيكون التقديرُ :« اللَّهُ أنْفَذُ عِلْماً حَيْثُ يجعلُ رِسَالاه » أي :« هو نافِذُ العلم في لاموضع الذي يجعل فيه رسالاته، والظرف هنا مجازٌ كما قلنا ».
قال شهابُ الدِّين : قد ترك ما قاله الجمهورُ، وتتابعوا عليه، وتأوَّل شَيْئاً هو أعْظَم مما فَرَّ مِنْه الجمهورُ، وذلك أنه ليزمه على ما قدَّر أنَّ عِلْمَ الله في نَفْسِه يتفاوت بالنسْبَة إلى الأمْكِنَة، فيكونُ في مكانِ أبْعَدَ مِنْه في مكانٍ، ودعواه مجازُ الظرفيَّةِ لا ينفعهُ؛ فيما ذكرته من الإشْكَال، وكيف يُقَالُ مِثْلُ هذا؟ وقوله :« نَصَّ النحاةُ على عدم تصرُّفها » هذا معارضٌ- أيضاً- بأنهم نصُّا على أنها قد تتصرَّفُ بغير ما ذكر هو مِنْ كونها مجروةً ب « لَدَى » أو « إلى » أو « فِي » فمنه : أنها جاءت اسماً ل « إنَّ » في قوله الشاعر :[ الخفيف ]
٢٣٠٥-إنَّ حَيْثُ اسْتَقَرَّ مَنْ أنْتَ رَاجي | هِ حِمًى فِيه عِزَّةٌ وأمَان |
٢٣٠٦- فَشَدَّ وَلَمْ يُنْظِرْ بُيُوتاً كَثِيرةً | إلَى حَيْثُ ألْقَتْ رَحْلَهَا أمُّ قَشْعَمِ |