وقد يجابُ عن الإشْكال الذي أوْرَدْتُه عليه، بأنه لم يُرِدْ بقوله « أنْفَذُ عِلْماً » التفضيل، وإنْ كان هو الظاهِرُ بل يُريد مُجَردَ الوصْفِ؛ ويدلُّ على ذلك قوه : أي هُوَ نَافِذُ العلمل في الموضع الذي يَجْعَلُ فيه رِسَالاته، ولكن كان يَنْبَغِي أنْ يصرِّحَ بذلك، فيقول : ولَيٍ المراد التفضيل.
وروي « حَيْثَ يَجْعَلُ » بفتح الثاء، وفيها احتمالان :
أحدهما : أنها فتحةُ بناْءٍ؛ طَرْداً للباب.
والثاني : أنها فتحةُ إعرابٍ؛ لأنها معربةٌ في لغةِ بَنِي فَقْعس، حكاها الكسَائِيُ.
[ وفي « حَيْثُ » سِتُّ لُغَاتِ : حَيْثُ : بالياء بتَثْلِيث الثاءِ، وحَوْثُ : بالواو، مع تَثْلِيث الثاء ].
وقرأ ابنُ كثير، وحَفْصٌ عن عَاصم « رسالَتَه » بالإفراد، والباقون :« رِسَالاتِهِ » بالجمع، وقد تقدَّم توجيهُ ذلك في المائدة؛ إلا أن بَعْضَ مَنْ قر هُناك بالجمْع- وهوحَفْصٌ- قرأ هنا بالإفْرادِ، وبعضُ مَنْ قرأ هناك بالإفْرَادِ- وهو أبو عَمْرو، والأخوانِ، وأبُو بَكْرٍ، عَنْ عاصم- قرأ هنا بالجمع، ومعنى الكلام :« اللهُ أعْلَمُ بمَنْ هُوَ أحَقُّ بالرِّسالةِ ».
قوله :﴿ سَيُصِيبُ الذين أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ الله ﴾ قِيلَ : المرادُ بالصِّغَارِ ذلك وهوان يحصلُ لهم في الآخرة.
وقيل : الصغارُ في الدنيا، وعذابٌ شَدِيدٌ في الآخرة.
قوله :« عِنْدَ اللًّهِ » يجوزُ أنْ يَنْتَصِبَ ب « يُصِيب » ويجوز أن ينتصبَ ب « صَغَار » ؛ لأنه مصدرٌ، وأجازُوا أن يكون صِفَةً ل « صغار » ؛ فيتعلق بمحذوفٍ، وقدَّره الزجاجُ فقال : ثَابِتٌ عن الله تعالى «.
والصِّغارُ : الذلُّ والهوان، يقالُ منه : صَغُر يَصْغَر صِغْراً فهو صغِيرٌ، هذا قولُ اللَّيْثِ، فوقع الفرقُ بين المعْنَيَيْنِ بالمصدرِ، والفعلِ.
وقال غيره : إنه يُقالُ : صَغُر، وصغَر من الذل.
والعِنْديَّةُ هنا : مجازٌ عن حَشْرِهم يوم القيامةِ، أو عَنْ حُكمه وقضائه بذلك؛ كقولك : ثَبَتَ عند فلانٍ القاضِي، أيْ : في حكمه، ولذلك قدَّم الصَّغار على العذاب؛ لأنه يُصيبهُمْ في الدنيا.
و »
بما كانوا « الباء للسببيّة أي : إنما يُصيبهم ذلك بسبب مَكْرِهم، وكَيْدِهم، وحَسَدِهم و » مَا « مصدرية، ويجوز أ تكون معنى الذي.


الصفحة التالية
Icon