قوله :« قال هذا ربي » في « قال » ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه استئناف أخبر بذلك القول، أو استفهم عنه على حسب الخلاف.
والثاني : أنه نعت ل « كَوْكَباً » فيكون في محلِّ نصب، وكيف يكون نعتاً ل « كوكباً » ولا يساعد من حَيْثُ الصِّناعةِ، ولا من حيث المعنى؟ أما الصِّناعةُ فلعدم الضمير العائد من الجملة الواقعة صِفَةً إلى موصوفها، ولا يقال : إن الرابط حَصَلَ باسم الإشارة؛ لأن من الجملة الواقعة صِفَةً إلى موصوفها، ولا يقال : إن الرابط حَصَلَ باسم الإشارة؛ لأن ذلك خَاصُّ بباب المبتدأ والخبر، ولذلك يكثر حَذْفُ العائد من الصِّفة، ويقلُّ من الخبر، فلا يَلْزَمُ من جوازِ شيء في هذا جوازُهُ في شيء، وادِّعاء حذفت ضمير بعيد، أي قال فيه : هذا رَببَّي، وأمَّا المعنى فلا يُؤدِّي إلى أن التَّقدير : رأى كوكباً مُتَّصِفاً بهذا القَوْلِ، فقيل : هو خبر مَحْضٌ بتأويل ذكره أهْلُ التفسير.
وقيل : بل هو على حَذْفِ همزة الاستفهام، أي : أهذا ربي، وأنشدوا :[ الطويل ]

٢٢١٤- لَعَمْرُكَ مَا أدْرِي وَإنْ كُنْتُ دَارِياً بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أمْ بِثَمَانِ
وقوله :[ المنسرح ]
٢٢١٥- أفْرَحُ أرْزَأ الكِرَامَ وَأنْ أورَثَ ذَوْداً شَصَائِصاً نَبَلاَ
وقوله :[ الطويل ]
٢٢١٦- طَرِبْتُ وَمَا شَوْقاً إلى البِيضِ أطْرَبُ وَلاَ لِعِباً مِنِّي وذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ
وقوله :﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ ﴾ [ الشعراء : ٢٢ ] قالوا : تقديره أبسبع؟ وأأفرح؟ وأذو؟ وأتلك؟
قال ابنُ الأنْبَارِيّ :« وهذا لا يجوز إلا حَيْثُ يكون ثمَّ فاصلٌ بين الخبر والاستفهام، إن دلَّ دليل لفظي كوجود » أم « في البيت الأول، بخلاف ما بعده ». والأفُولُ : الغَيْبَةُ والذَّهَابُ؛ يقال : أفَلَ يأفُلُ أفُولاً.
قال ذو الرمة :[ الطويل ]
٢٢١٧- مَصَابِيحُ لَيْسَتْ باللَّوَاتِي تَقُودُهَا نُجُومٌ ولا بالآفلاتِ شُمُوسُهَا
والإفَالُ : صِغَارُ الغَنَم.
والأفيلُ : الفَصِيلُ الضَّئِيلُ.

فصل في بيان رؤية الملك


قال أكثر المفسرين : أن مَلِكَ ذلك الزَّمانِ رأى رُؤيا وعبرها المعبرون بأنه يُوَلدُ غلام يكون هلاكُ مُلْكِهِ على يَدَيْهِ، فأمر بذح كُلِّ غلام يُولدُ، فحملت أمُّ إبراهيم به، وما أظهرت حَمْلَهَا للناس، فلما جاءها الطَّلْقُ ذَهَبَتْ إلى كَهْفٍ في جَبَلٍ، ووضعت إبراهيم- علي السلام- وسدَّت الباب بِحَجَرٍ فجاء - جبريل- عليه السلام- وكانت الأمُّ تأتيه أحياناً تُرْضِعُهُ، وبقي على هذه الصفة حتى كَبِرَ وعَقِلَ، وعرف أنه له رَبَّا، فسأل أمه فقال لها : مَنْ رَبي؟ قالت : أنا، فقال : ومَنْ رَبُّك؟ قالت : أبوك فقال : ومن رَبُّ أبي؟ فقالت : مَلِكُ البلد.
فعرف إبراهيم- ﷺ - جَهَالتها بربها، فنظر من باب ذلك الغارِ ليرى شيئاً يَسْتَدِلُّ به لعى وجو
الرَّبِّ- سبحانه وتعالى- فرأى النَّجْمَ الذي كان هو أضْوَءَ نجم في السماء.
فقيل : كان المشتري، وقيل : كان الزهرة، فقال : هذا ربِّي إلى آخر القِصَّةِ.
ثم القائلون بهذا القول اختلفوا، فمنهم من قال : هذا كان بعد البُلُوغِ، ومنهم من قال : كان هذا قَبْلَ البُلُوغِ والتكليف، واتَّقَقَ أكثر المحققين على فَسَادِ هذا القول.


الصفحة التالية
Icon