ففصل بين « إنَّ » واسْمَها بما يتعلَّق بخبَرِهَا، ولو كان بِغَيْر الظرف، لم يَجُزْ، ألا تَرَى أنَّك لو قُلْتَ :« إنَّ زَيْداً عَمْراً ضَارِب » على أن يكون « زَيْداً » منصُوباً ب « ضَارِب » لم يَجز، فإذا لم يُجِيزُوا الفَصْل بين المُضَافِ والمُضافِ إلَيْهِ في الكلامِ بالظرفِ مع اتِّساعهم فيه في الكلام، وإنما يجُوزُ في الشَّعْر؛ كقوله :[ الوافر ]
٢٣١٩- كَمَا خُطَّ الكِتَاب بَكَفِّ - يَوْماً- | يَهْودِيِّ يُقَاربُ أوْ يُزيلُ |
٢٣٢٠- يَطُفْنَ بِحُوزِيِّ المَرَاتِعِ لَم تَرُعْ | بِوَاديهِ مِنْ قَرْعِ - القِسيِّ - الكَنَائِنِ |
٢٣٢١-................. | زَجَّ - القلُوصَ - أبِي مَزَادهُْ |
قال أبو عبيد :« ولا أحِبُّ هذه القراءة؛ لما فيها من الاسْتِكْرَاه والقِراءة عِنْدنَا هي الأولَى؛ لصحِّتِها في العربيِّة، مع إجْماع أهْل الحَرْمَيْن والمِصْرَين بالعراق عَلَيْهَا ».
وقال سيبويْه في قولهم :
٢٣٢٢- يا سَارِقَ اللَّيْلَةِ أهْلَ الدَّارْ... بخفض « اللَّيْلَةِ » على التَّجُّوز وبنصب « الأهْلِ » على المَفْعُولِيَّة، ولا يجُوز « يا سَارِقَ اللَّيْلَة أهْلَ الدَّار » إلاَّ في شِعْر؛ كراهة أن يَفْصِلُوا بين الجَارِّ والمجْرُور، ثم قال : وممَّا جَاء في الشِّعْر قد فُصِل بَيْنَهُ وبين المَجْرُور قول عمرو بن قميئة :[ السريع ]
٢٣٢٣ - لمَّا رَأتْ سَاتِيدَمَا اسْتَعْبَرَتْ | لِلَّهِ دَرُّ - اليَومَ - مَنْ لاَمَهَا |
وقال أبو الفتح بن جني :« الفَصْل بين المُضَافِ والمُضَافِ إليه بالظَّرْف والجَارِّ والمَجْرُور كَثِيرٌ، لكنه من ضَرُورَة الشَّاعِر ».
وقال مكي بن أبي طالب :« ومن قَرَأ هذه القراءة ونَصَب » الأوْلادَ « وخفض » الشُّركاء « فيه قراءة بعيدةٌ، وقد رُويَتْ عن ابْن عامر، ومجازها على التَّفْرِقَة بين المُضَافِ والمُضافِ إليه بالمفعُول، وذلك إنَّما يجُوزُ عند النَّحويِّين في الشِّعْر، وأكثر ما يَكُون بالظَّرْفِ ».
قال ابن عطيَّة - رحمه الله - : وهذه قراءةٌ ضَعِيفَة في اسْتِعْمَال العرب، وذلك أنَّه أضاف الفِعْلَ إلى الفاعل، وهو الشُّرَكَاء، ثُمَّ فصل بين المُضافِ والمُضافِ إليه بالمفْعُول، ورُؤسَاء العربيَّة لا يُجيزُون الفَصْل بالظُّرُوف في مِثْل هذا إلا في شِعْرٍ؛ كقوله :[ الوافر ]
٢٣٢٤- كَمَا خُطَّ - الكِتَابُ بِكَفِّ يَوْماً | يَهْودِيِّ....................... |