قال : وحدَّثنا أبو بكر، عن أبِي خَلِيفَة عن يُونُس بن حَبِيب، عن أبِي عَمْرو بن العلاء. قال :« ما انْتَهى إليكم مما قالت العَرَب إلا أقَلُّه، ولو جَاءَكُم وافراً لجَاءَكُم عِلْمٌ وشِعْر كَثِير ». وقال أبو الفَتْح :« فإذا كان الأمْر كَذَلِك، لم نَقْطَع على الفَصِيح إذا سُمِع مِنْه ما يُخَال الجُمْهُور بالخَطَإ، ما وُجِد طَريقٌ إلى تَقَبُّل ما يُورِدُه، إلا إذا كان القِيَاسُ يُعَاضِدُه ».
قال شهاب الدِّين : وقراءة هذا الإمام بهذه الحيثيَّة، بل بطريق الأولَى والأحْرَى لو لم تكُن مُتَوَاتِرة، فكيف وهي مُتواتِرَة؟ وقال ابن ذَكْوَان : سألَني الكَسَائِي عن هذا الحَرْفِ وما بَلَغَهُ من قِرَاْتنا، فرأيْتُه كأنه أعْجَبَه وتَرَنِّم بهذا البيت :[ البسيط ]
٢٣٢٨- تَنْفِي يَدَهَا الحَصَى فِي كُلِّ هَاجِرَةٍ | نَفْيَ - الدَّرَاهِيمَ - تَنْقَادِ الصَّيَارِيفِ |
بنصب
« الدَّرَاهِيم » [ وجَرِّ
« تَنْقَاد »، وقد رُوِي بخفض
« الدَّرَاهِيم » ورفع
« تَنْقَادُ » وهو الأصْل، وهو المَشْهُور في الرِّواية ].
وقال الكرمَانِيّ :
« قراءة انب عَامرٍ وإن ضَعُفَتْ في العَرَبِيَّة للإحَالَة بين المُضَافِ والمُضَافِ إليه فَقَويَّةٌ في الرَّواية عَالِيةٌ » انتهى.
وقد سُمِعَ ممَّنْ يُوثَق بعربيَّته :
« تَرْكُ يَوْماً نَفْسِك وهَوَاهَا سَعْيٌ في رَادَاهَا » أي : تَرْكُ نَفْسِك يَوْماً مع هَوَاهَا سَعْيٌ في هَلاكِهَا.
وأما ما ورد في النَّظْمِ من الفَصْلِ بين المُتَضَايفين بالظَّرْف، وحَرْف الجرِّ، وبالمفعول فكَثِيرٌ، وبغير ذلك قَلِيل، فمن الفَصْل بالظَّرْفِ قول الآخر :[ الوافر ]
٢٣٣٠- كَمَا خُطَّ الكِتَابُ بَكَفِّ - يَوْماً - | يَهْودِيِّ........ |
وقول الآخر :[ السريع ]
٢٣٣١ قَدْ سَألَتْنِي أمُّ عَمْرٍو عَنِ ال | أرْضِ الَّتِي تَجْهَلُ أعلامَهَا |
لمَّار رَأتْ سَاتِيدَمَا اسْتَعْبَرَتْ | لِلِّهِ دَرُّ - اليَوْمَ - مَنْ لاَمَها |
تَذَكَّرَتْ أرْضاً بِهَا أهْلُهَا | أخْوالَهَا فِيهَا وأعْمَامَهَا |
يريد : للَّه دَرُّ مَنْ لامَها اليَومْ، و
« ساتِيدمَا » قيل : هو مرَكَّب والأصْل :
« سَاتِي دَما » ثم سمِّي به هذا الجبل؛ أنه قُتِل عِنْدَه، قيل : ولا تَبْرح القَتْلَى عند، وقيل :
« سَاتِيد » كله اسْمٌ و
« مَا » مَزِيدة؛ ومثال الفَصْل بالجار قوله :[ الطويل ]
٢٣٣٢ - هُمَا أخَوَا - فِي الحرْب - مَنْ لا أخَا لَهُ | إذا خَافَ يَوْمَاً نَبْوَةً فَدَعَاهُمَا |
وقال الآخر في ذلك :[ البسيط ]
٢٣٣٣- لأنْتَ مُعْتَادُ - فِي الهَيْجَا - مُصَابَرَةٍ | يَصْلَى بِهَا كُلُّ مَنْ عَادَاكَ نِيرَانَا |
وقوله أيضاً :[ البسيط ]
٢٣٣٤- كَأنَّ أصْوَات - مِنء إيغَالِهِنَّ بِنَا- | أوَاخِر المَيْسِ أصْواتُ الفَرَارِيجِ |
قوله أيضاً :[ الطويل ]
٢٣٣٥- تَمُرُّ على ما تَسْتِمِرُّ وَقَدْ شَفَتْ | غَلائِلَ - عَبْدُ القَيْسِ مِنْهَا - صُدُورِهَا |
يريد : هما أخَواَ مَنْ لا أخَا لَهُ في الحربِ، ولانْتَ مُعْتَادُ مُصَابرةٍ في الهَيْجاء، وكأن أصوات أواخر الميس وغَلائِل صُدُورها، ومن الفَصْل بالمفعُول قول الشاعر في ذلك :[ مجزوء الكامل ]