وقال سَعيد بن جُبَيْر : كان هذا حقاً يُؤمر بإيتَائِه شفي ابْتداء الإسْلام، فصل مَنْسُوخاً بإيجاب العُشْر.
وقال مُقْسِم عن ابن عبَّاس : نسخت الزَّكَاةٌ كُلُّ نفقةٍ في القُرْآنِ.
والصَّحيح الأوَّل؛ لأن قوله - تعالى- :﴿ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ إنما يَحْسُن ذكره إذا كان ذلك الحَقُّ مَعْلوماً قبل وُرودِ هذه الآيةِ؛ لئلا تَبْقَى هذه الآية مُجمَلة.
وقال - عليه السلام- :« لَيْسَ في المَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاة » فوجَبَ أن يكون ا لمُراد بهذا الحقِّ حق الزَّكَاةِ.
قوله :﴿ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ بعد ذكر العِنَب والنَّخْل والزَّرْع والزَّيْتُون والرُّمَّان يدلُّ على وُجُوب الزَّكَاةِ في الثِّمار كما يقوله أبو حنيفة، فإن لفظ الحَصَادِ قيل : هو مَخْصُوص بالزَّرْع.
فالجواب : لفظ الحَصْد في اللُّغَة عبارة عن القَطْع، وذلك يتناول الكلَّ، وأيضاً فالضَّمِير في قوله :« حَصَادِهِ » يجب عَوْده إلى أقْرب المذْكُورات وذلك هو الزَّيْتُون والرُّمَّان، فوجَبَ أن يَعُود الضَّمِير.

فصل في بيان زكاة الروع


قال أبو حنيفة : العُشْر واجِبٌ في القَلِيل والكَثِير لهذه الآية.
وقال الأكثرون : لا يِجِب إلاَّ إذا بلغ خَمْسَة أوْسُق؛ لأ، الحَدِيب عن الحقِّ الواجب هَهُنا ما هو.
قال القرطب : وبهذه الآية استَدَلَّ من أوجب العُشْر في الخضْرَواتِ؛ لقوله تعالى :﴿ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ والمذكرو قَبْله الزَّيْتُون والرُّمَّان، والمذكور عَقِب الجملة بَنْصَرِف إلى الإخِيرَة بلا خلافٍ قال الكيا الطبري.
قوله :« ولا تُسْرِفُوا » قال أبو العبَّاس عن ابن الأعْرَابيِّ : السَّرَف تجاوز الحدَّ.
وقال غيره : سَرَف المال : ما ذهب منه من غَيْر مَنْفَعَةٍ.
قال القُرْطُبي : الإسْرَاف في اللُّغَة : الخطأ.
قال ابن عبَّاس « وحَقُّ اللَّه » في رواية الكلبي عنه؛ أن ثابت بن قيس ن شماس جَذَذَ خمسمائة نَخْلَةٍن وقسَّمَها في يوم واحدٍ ولم يترك لأهْلِه شَيْئاً؛ فأنزل اللَّه هذه الآية.
وقال السُّدِّيُّ :« لا تُسْرِفُوا؛ أي : لا تعْطُوا أمْوَالُكم فتَقْعُدوا فُقَرَاء ».
قال الزَّجَّاج - رحمه الله - :« فعلى هذا إذن : إعْضَاء الإنْسَان كل مَالِهِ، ولم يوصل إلى عياله شَيْئاً وقد اسْرَف؛لقوله- ﷺ - :» ابْدَأ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ «.
وقال سيعد بن المسيَّب : مَعْنَاه لا تَمْنَعُوا الصِّدقة فعلى الأوَّل معنى الإسْرَاف؛ تجاوُز [ الحَدِّ في الإعْطَاء، وعلى هذا الإسْرَاف : تجاوز »
الحَدِّ في المَنْع.
قوال مُقَاتِل : لا تُسْرِفُوا : لا تُشْرِكُوا الأصْنَام في الحَرْث والأنْعام.
وقال الزُّهري : معناه : لا تُنْفِقُوا في مَعْصية اللَّه - تعالى -.
قال مُجَاهد : لو كان أبُو قُبَيْس ذَهَاباً فأنفقه أحد في سَبيل اللَّه وطاعة اللَّه، لم يكن مُسْرِفاً : لو أنْفق دِرْهَمان في مَعْصِيَة اللًّه، كان مسرفاً، وهذا المَعْنَى أراده الشَّاعِر بقوله :[ الوافر ]
٢٣٥٦- ذَهَابُ المَالِ في جُهْدٍ وأجْرٍ... ذَهَابٌ لا يُقَالُ لَهُ : ذَهَابُ


الصفحة التالية
Icon