قوله - تعالى - ﴿ حَمُولَةً وَفَرْشا ﴾ مَنْصُوبان على أنَّهُما نُسِقَا على « جَنَّاتِ » أي : وأنشأ من الأنْعام حَمُولَة، و « الأنْعَام » قيل : هي من الإبل خَاصَّة، وقيل : الإبل والبَقَر والغَنَم.
وقيل : ما أحَلَّه الله - تعالى - من الحيوانِ؛ قاله أحمد بن يَحْيَى، قال القُرْطُبيُّ : وهذا أصَحُّهَا.
وقال القُرْطُبِي : فَعُوله بفتح الفَاءِ، إذَا كانت بمعنى الفَاعِل اسْتَوى فيها المُذَكَّر والمؤنَّث؛ نحو قولك : رَجُل فَرْوقَه للجَبَان والخَائِفِ، ورجل صَرُورَة وامرأة صرورة إذا لم يَحُجَّا؛ ولا جَمْع له فإذا كانت بِمَعْنَى، فرق بين المُذَكَّر والمؤنَّث بالهَّاء، كالحَلُوبة والرَّكُوبة، والحَمُولة بضم الحاءِ : أحْمَال وأما الحُمُول : بالضَّمِّ بغير هاء فهي الإبل الَّتِي عليه الهَوَادِجُ كان فيها نِساءٌ أو لم يَكُنِّ؛ قاله أبو زَيْد.
والحَمُولة : ما أطاق الحمل عَلَيْه من الإبل، والفَرْش : صِغَار هذا هو المشْهُور في اللُّغَة.
وقيل الحَمُولة : كبارُ الأنْعَام، أعني : الإبل والبَقَر والغَنَم، والفَرْشُ : صغارها قال :« ويدُلُ له أنَّهُ أبدل منه قوله بعد ذلك :» ثَمَانِيَة أزْوَاجٍ من الضَّأنِ « كما سيأتيِي لأنها دَانِية من الأرْض بسبب صغَر أجْرَامِها مثل الفَرْشِ وهي الأرْض المَفْرُوشُ عليها ».
وقال الزَّجَّاج : أجمع أهْل اللُّغَة على أنّ الفَرْشَ صِغَار الإبل، وأنشد القَائِل :[ الزجر ]

١٢٥٧- أوْرَثَنِي حَمُولَةً وَفَرْشَا أمُشُّهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَشَّا
وقال الآخر :[ الرمل ]
٢٣٥٨- وَحَوَيْنَا الفَرْشَ مِنْ أنْعَامِكُمْ والحَمُولاتِ وَربَّاتِ الحِجَالْ
قال أبو زَيْد :« يحتمل أن يكون سُمِّيَتْ بالمَصْدَر؛ لأن الفَرْشَ في الأصْل مصدر » والفَرْش لفظ مُشْتَرك بين مَعَانِ كثيرة : منها ما تقدَّم، ومنها : مَتَاع البَيْت والفَضَاء الوَاسِع، واتِّسَاع خُفِّ البَعير قليلاً، والأرْض الملساء، عن أبي عَمْرو بن العَلاء، ونباتٌ يلْتَصِق بالأرْضِ، ومنه قول الشاعر :[ الزجر ]
٢٣٥٩- كَمِشْفَرِ النَّابِ تلُوكُ الفَرْشَا... وقيل الحَمُولة : كل ما حُمِل عليه من إبل وبَقَر وبَغْل وحِمَار.
والفَرْشُ هنا : ما اتُّخِذَ من صُوفه ووبَرِه وشَعْرِه ما يُفْتَرشُ، وأنشدوا للنَّابعة :[ الطويل ]
٢٣٦٠- وَحَلَّتْ بُيُوتِي فِي يَفَاعٍ مُمَنَّعٍ تَخَالُ بِهِ راعِي الحَمُولَةِ طَائِرا
وقال عنترة :[ الكامل ]
٢٣٦١- مَا رَاعَنِي إلاَّ حَمُولَةُ أهْلِهَا وَسْط الدِّيار تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ
قوله :﴿ كُلُوا ممَّا رزَقُكم اللَّه ﴾ يريد : ما أحَلَّها لكم.
قالت المعتزلة : إنه - تبارك وتعالى - أمر بأكْل الرِّزْقِ، ومنع من أكل الحَرامٍ ينتج أن الرِّزْق ليس بَحَرَام.
ثم قال - تعالى- :﴿ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان ﴾ أي : التَّخْلِيل والتَّحريم من عِنْد أنْفُسكُم، كما فعله أهْل الجَاهِليَّة، أي : لا تَسْلكُوا طرائق الشَّيْطَان وأبان « أنه لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ » أيك بيَّن العداوة أخرج آدم من الجنَّة، وقوله :﴿ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٦٢ ].
قال الزجاج : في خُطُوات الشَّيْطَانِ ثلاثة أوجُه : ضم الطاء، وفتحها، وإسكَانها.


الصفحة التالية
Icon