قوله تعالى :﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاج ﴾ في نصبه ستة أوجه :
أحسنها : أن يكُون بدلاً من « حملوة وفَرْشاً لولا ما نَقَله الزَّجَّاج من الإجماع المُتقدِّم، ولكن ليس فيه أنَّ ذلك مَحْصُول في الإبل، والقَوْل بالبدلِ هو قَوْل الزَّجَّاج والفرَّاء.
والثاني : أنه مَنْصُوب ب » كُلُوا « الذي قَبْلَه أي : كُلُوا ثمانية أزْوَاج، ويكن قوله- تعالى- :﴿ وَلاَ تَتَّبِعُوا ﴾ إلى آخره كالمُعَتَرِض بين الفِعْل ومَنْصُوبه، وهو قول عَلِيّ بن سُلَيْمَان وقدَّرَه : كُلُوا لَحْم ثَمَانِية.
وقال أبو البَقَاء - رحمها لله- : هو مَنْصُوب ب » كُلُوا « تقديره : كلوا مِمَّا رزقَكُم اللَّه ثمانية أزْوَاج، » ولا تسرفوا « مُعْتَرِض بَيْنَهُما.
قال شهاب الدَّين : صوابه أن يقولك » ولا تَتَّبعُوا « بدل » ولا تُسْرفُوا « ؛ لأن كُلُوا - الذي يَلِيه » ولا تُسْرِفوا « - ليس مُنْصَبًّا على هذا؛ لأنه بعيد منه، ولأن بَعْده ما هو أوْلَى منه بالعمل، ويحتمل أن يَكُون الناسخ غَلَط عَلَيْه، وإنما قال هو :» ولا تَتَّبِعُوا « ؛ ويدل على ذلك أنه قال :» تقديره : كُلُوا ممَّا رَزَقكُم اللَّه « و » كُلُوا « الأوَّل ليس بَعْدَه » ممَّا رَزقكُم «، إنما هو بَعْد الثَّاني.
الثالث : أنه عَطْف على » جَنَّاتٍ « أي : أنْشَا ثَمَانِية أزْوَاج، ثم حُذِفَ الفِعْل وحَرْف العَطْفِ؛ وهو مذهب الكسَائِيّ.
قال أبو البقاء :» وهو ضعيف «.
قال شهاب الدين : الأمْر كذلك وقد سُمِع ذلك في كلامهم نَثْراً ونَظْماً : ففي النثر قوله :» أكلتُ لَحْماً سمَكاً تَمْراً « وفي نَظْمِهِم قول الشاعر :[ الخفيف ]
أي : أكلت لَحْماً وسمكاً وتمراً، وكيف أصْبَحْت وكيف أمْسَيْت، وهذا على أحَدِ القولين في ذلك.٢٣٦٢- كَيْفَ أصْبحْتَ كَيْف أمْسَيْتَ مِمَّا يَزْرَعُ الوُدَّ في فُؤادِ الكَرِيم
والقول الثاني : أنه بدل بداء؛ ومنه الحديث :» إنَّ الرَّجُلَ لَيصَلَّى الصَّلاة، وما كُتِبَ له نِصْفُهَا ثلثُهَا رُبْعُها « إلى أنْ وَصَلَ إلى العُشْرِ.
الرابع : انه مَنْصُوبٌ بفعل مَحْذُوفٍ مدلول عليه بما في اللَّفْظِ، تقديره : كُلُوا ثمانية أزْوَاج؛وهذا أضْعَفُ مما قبله.
الخامس : أنه مَنْصُوب على الحالِ، تقديره : مُخْتَلفة أو متعدِّدَة، وصاحب الحال :» الأنْعَام « فالعَامِل في الحال ما تعلَّق به الجَارُّ وهو » مِنْ «
السادس : أنه مَنْصُوب على البدل من محلِّ » مِمَّا رَزَقَكُم اللَّه «.
فصل في بيان كلمة »
زَوْج «
الوَاحِد إذا كان وْحده فهو فَرْد، وإذا كان مَعَهُ غيره من جِنْسِه سُمِّي زَوْجاً وهما زَوْجَانح قال - تعالى_ :﴿ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى ﴾ [ النجم : ٤٥ ] وقال :» ثمانِيَة أزْوَاج « ثم فَسَّرها بقوله :» من الضَّأنِ اثْنَيْنِ ومِن المَعْزِ اثْنَيْنِ ومِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ «.