قوله تعالى :﴿ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ﴾ الآيات.
لمَّا بيَّن فساد طريقة أهْل الجاهليَّة فيما يُحَلُّ ويُحَرَّم من المطعُومَات - أتْبَعهُ بالبيان الصَّحِيح.
رُوي أنهم قالوا : فما المُحَرَّمُ إذن؟ فنزل : قل يا محمد :« لا أجِدُ في ما أوحِي إليَّ » شيئاً « مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُه » أي : آكِل يَأكُلُه.
قوله :« مُحَرَّماً » منصوب بقوله :« لا أجِدُ » وهو صِفَة لمَوْصُوف محذوف؛ حذف لدلال قوله :« على طَاعِم يَطْعَمُهُ »، والتقدير : لا أجد طعاماً مُحَرّماً، و « عَلَى طَاعِمٍ » متعلِّق ب « مُحَرَّماً »، و « يَطْعَمُهُ » في محل جرِّ صِفَة ل « طَاعِم ».
وقرأ الباقير ونقها مكيِّ عن أبي جَعْفَر - :« يَطَّعِمُهُ » بتشديد الطَّاءِ، وأصلها « يتطعمه » افتعال من الطعم، فأبدلت التاء طاءً لوقوعها بعد طاء للتقارب، فوجب الإدغام.
وقرأت عائشة، ومحمَّد بن الحَنَفِيَّة، وأصحاب عَبْد اللَّه بن مَسْعُود رضي الله عنهم :« تَطَعَّمه » بالتاء من فَوْق وتشديد العَيْن فعلاً مَاضِياً.
قوله :« إلاَّ أنْ كَكُون مَنْصُوب على الاسْتثْنَاء، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه مُتَّصِل قال أبو البقاء :»
استثناء من الجنْس، وموضعُه نَصْب، أي : لا أجد مُحَرَّماً إلا المَيْتَة «.
والثاني : أنه مُنْقَطِع، قال مكِّي :»
وأن يكُون في مَوْضِع نَصْب على الاستِثْناء المُنْقَطع «.
وقال أبو حيان : و »
إلاَّ أنْ يكون « استثناء مُنْقَطِع؛ دلالئله كَوْن، وما قَبْلَه عين، ويَجُوز أنْ يكُون مَوْضِعُه نَصْباً بدلاً على لُغَة تَمِيم، ونَصْباً على الاستثناء على لُغَة الحِجَاز، يعني أن الآستثنْاء المُنْقَطِع في لُغَتان :
إحداهما : لغة الحَجَاز، وهو وُجُوب النَّصْبِ مطلقاً.
وثانيتهما : لغة التَّمِيمِيٍّن - يجعلونه كالمُتَّصِل، فإن كان في الكلامِ نَفْيٌ أو شبْهُه، رُجِّح البدل، وهُنَا الكلام نَفْيٌ فيترَجَّحُ نَصْبُه عند التَّممِيميِّين على البدل، دُون النَّصْب على الاسْتثْنَاء؛ فنصْبه من وَجْهَين، وأمَّا الحِجَاز : فنصبه عِنْدهم من وجْهٍ وَاحِد، وظاهِر كلام أبي القَاسِم الزَّمَخْشَريِّ أن مُتَّصِل؛ فإنه قال :»
مُحَرَّماً « أي : طعَاماً مُحَرَّماً من المطاعِم التي حَرَّمْتُمُوهَا إلاَّ أن يكُون مَيْتَة، أي : إلاَّ أن يكون الشَّيء المُحَرَّم مَيْتة.
وقرأ ابن عامر في روايةٍ :»
أوحَى « بفتح الهمزة والحَاءِ منبيا للفَاعِل؛ وقوله تعالى :﴿ قُل ءَآلذَّكَرَيْنِ ﴾ وقوله :» نَبِّئُونِي «، وقوله أيضاً :» آلذّكَرَيْن « ثانياً، وقوله :» أمْ كُنْتُم شُهْدَاء « جمل اعْتِرَاض بين المَعْدُودَات الَّتِي وَقَعت تَفْصِيلاً لِثَمانِيَة أزْواج.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ :»
فإن قُلْت : كيف فَصَل بين المَعْدُود وبين بَعْضِه ولم يُوَالِ بَيْنَه؟.
قلت : قد وقع الفَاصِل بَيْنَهُما اعْتِرَاضاً غير أجْنَبيِّ من المَعْدُود؛ وذلك أنَّ الله - عزَّ وجلَّ- مَنَّ على عِبَاده بإنْشَاء الأنْعام لمَنَافِهِم وبإياحتها لَهُم، فاعترض بالاحْتِجَاج على مَنْ حَرَّمها، والاحْتِجَاجُ على مَنْ حَرَّمَها تأكيدٌ وتَشديدٌ للتَّحْلِيلن والاعْتِراضَات في الكلامِ لا تُسَاقُ إلا للتَّوْكِيد «.


الصفحة التالية
Icon