قال شهاب الدِّين : هذه العِبارة التي ذكرها الزَّمَخْشَري سبقه إليها الزَّجَّاج فإنه قال : وقال قوم : حُرِّمَت عليهم الثُّرُوب، وأحِلَّ لهم ما حَمَلَت الظُّهُور، وصارت الحوايا أو ما اخْتَلَط بعَظْم نَسَقاً على ما حَرَّم لا على الاستثناء، والمَعْنَى على هذا القول : حُرِّمت عليهم شُحُومَهُمَاً أو الحوايا أو ما اختلط بعَظْمٍ، إلا ما حملت الظُّهُور فإن غير محرَّم، وأدخلت « أو » على سَبِيل الإبَاحَة؛كما قال تعالى :﴿ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ﴾ [ الإنسان : ٢٤ ] والمعنى : كل هؤلاء أهْلٌ أن يُعْصَى فاعْص هذا أو اعْص هذا و « أو » بَلِغة في هذا المَعْنَى؛ لأنَّك إذا قُلْتَ :« لا تُطِعْ زَيْداً وعَمْراً » فجائز أن تكُون نَهَيْتَي عن طَاعَتهما معاً في حالةٍ، فإذا أطعْتُ زيداً على حَدَته، لم أكُن عَاصياً، وإذا قلت : لا تُطِع زَيْداً أو عمراً أو خالداً، فالمعنى : أن كُلَّ هؤلاءِ أهْلٌ ألاَّ يُطَاع، فلا تُطِع واحداً منهم، ولا تُطِع الجماعة؛ ومثله : جَالِس الحَسَنَ أو أبْنَ سيرين او الشَّعْبي، فليس المَعنى : أني آمُرُكَ بمجَالَسَة واحدٍ منهم، فإن جَالَسْتَ واحِداً منهم فأنْتَ مُصِيبٌ، وإن جَالَسْتَ الجماعة فأنت مُصِيبٌ.
وأمَّا قوله :« فالأحْسَنُ أن تكُون » أو « فيه للتَّفْصِيل » فقد سبقه إلى ذلك أبو البقاء فإنه قال : و « أوْ » هنا بِمَعْنة الواو، لتفصِيل مذاهبهم أو لاخْتِلاف أماكمنها، وقد ذَكرَناَه في قوله :﴿ كُونُواْ هُوداً أَوْ نصارى ﴾ [ البقرة : ١٣٥ ].
وقال ابن عطيَّة ردّاً على هذا القول- أعين كون « الحَوَايَا نَسَقاُ على شُحُومهما- :» وعلى هذا تَدْخُل « الحَوَايَا » في التَّحْريم، وهذا قَوْلٌ لا يعضدُه لا اللَّفْظ ولا المَعْنَى بل يَدْفَعَانه « ولم يبيِّن وجْه الدَّفْع فيها.
الثالث : أن » الحَوَايَا « في محلِّ نَصْبٍ عطفاً على المسْتَثْنَى وهو » ما ملت ظُهُورهُمَا « كأنه قيل : إلا ما حَمَلَت الظُّهُور أو الحَوَايا أو إلا ما اختَلَط، نققله مكِّ، وأبو البقاء بدأ به ثم قال :» وقيل « هو مَعْطُوف على الشُّحُوم ».
ونقل الواحدي عن الفراء؛ أنَّه قال : يَجُوز أن يكُون في موضع نَصْب بتقدير حذف المضاف على أن يُريدك أو شُحُوم الحَوَايَا فَيَحذِف الشُّحُوم ويكتفي بالحوايا؛ كما قال - تعالى- ﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ] يريد أهلها، وحكى ابن الأنْبارِي عن أبي عبيد، أنه قال : قلت للفرَّاء : هو بمنزلة قول الشَّاعِر :
٢٣٧٥- لا يَسْمَعُ المَرْءُ فِيهَا مَا يُؤنَّسُه | باللَّيْلِ إلاَّ نَئِيمَ البُوم والضُّوَعاَ |