قال شهاب الدِّين : فمقتضى ما حكاه ابن الأنْبَارِيِّ : أن تكون الحَوَايَا « عَطْفاً على » مَا « المسْتَثْنَاه » وفي مَعْنَى ذلك قلقٌ بيِّنٌ.
و « الحَوَايَا » قيل : هي المَبَاعِر، وقيل : المصَارين والأمْعَاء، وقيل : كل ما تَحْويه البَطْن فاجْتَمع واسْتَدَار، وقيل : هي الدَّوَّارة الَّتِي في بَطْن الشَّاةِ.
واختلف في مُفْرد « الَحَوايَا » فقيل : حَاوِيَة ك « ضَارِبة »، وقيل : حَوِيَّة ك « طَريفَة »، وقيل : حَاويَاء ك « قَاصِعَاء ».
وجوَّز الفَارِسيُّ أن يكون جَمْعاً لكلِّ واحدٍ من الثلاثة، يعني : أنه صَالِحٌ لذلك، وقال ابن الأعْرَابِيِّ : هي الحَويَّة والحَاوِيَة « ولم يَذْكر الحَاويَاء. وذكر ابن السَّكِّيت الثلاثة فقال :» يقال :« حَاويَة » و « حَوَايَا » مثل « زَاوَيَا » و « رَاوِيَة » و « رَوَايَا » ومهم من يَقُول :« حَويَّة » و « حَوَايَا » ؛ مثل الحَوية التي تُوضَع على البَعِير ويُرْكَبُ فَوْفَها، ومنهم من يَقُول لواحِدَتها :« حَاوِيَاء » وأنشد قول جَرَير :[ البسيط ]

٢٣٧٦- تَضْغُو الخَنَانِيصُ والغُولُ الَّتِي أكَلَتْ فِي حَاويَاء رَدُومِ اللَّيل مِجْعَار
وأنشد ابن الأنْبَاري :[ الطويل ]
٢٣٧٧- كَأنَّ نَفِيقَ الحَبِّ فِي حَاوِيَائِهِ فَحِيحُ الأفَاعِي أوْ نَقيقُ العَقَارِبِ
فإن كان مُفْرَدُها حَاوِيَة، فوزنها فواعِلٌ؛ كَضَاربة وضَوارب ونظيرها في المُعْتَلِّ : هي عَيْن الكَلِمة هَمْزة؛ لأنها ثاني حَرْفِي لين، اكتنفا مَدّة مفَاعِل، فاستُثْقَلت هَمْزَة مكْسُورة فَقُلِبت يَاءً، فاسْتثْقِلت الكَسْرة على اليَاءِ فجُعِلَتْ فَتْحَة، فَتَحرَّك حَرْف العِلَّة وهو اليَاءُ الَّتِي هي لامُ الكملة بعد فَتْحَةٍ، فقُلِبت ألِفاً [ فصارت « حَوَايَا »، وإن شِئْتَ قلت : قُلِبَت الواوُ هَمْزة مَفْتُوحة، فتحركت اليَاءُ وانفتح ما قَبْلَها فقُلبَت ألِفاً ] فصارت هَمْزَة مَفْتُوحة بين ألِفين يُشْبِهَانِها فقلبت الهَمْزَة ياءً، وقد تقدَّم تَحْقِيق هذا في قول :﴿ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ﴾ [ البقرة : ٥٨ ] واخْتِلاف أهل التَّصْريف في ذَلِك.
وإن قلنا : إن مُفْرَدها « حَويَة » فوزنها فعائل كَطَرائف، والأصل : حَوَائي فقُلبت الهَمْزَة ياءً مَفْتُوحة، وقلبت اليَاءُ التي هِيَ لامٌ ألِفاً، فصار اللَّفْظُ « حَوَايَا » أيضاً، فالَّفْظُ مُتَّحِد والعَمَل مُخْتَلِف.
قوله :« أوْ مَا اخْتَلَطَ بَعَظْم » فيه ما تقدّم في « حَوَايَا » ورأيُ الفرَّاء فيه : أنَّه مَنْصوب نَسَاقً على « ماط المسْتَثْنَاة في قوله :» إلاَّ ما حَمَلتْ ظُهُورهُما « المُرَاد به الألْيَة.
وقيل : هو كلُّ شَحْمٍ في الجَنْب والعَيْن والأذُن والقَوَائِم، والمحرَّم الثَّرْبُ وشَحْم الكُلْيَة.

فصل


قال القرطبي : أخْبَر الله - تعالى - أنه كَتَب تَحْريم هذا عليهم في التَّوْرَاة رداً لِكَذِبهم، ونَصُّهُ فيها :»
حرّمتُ عَلَيْكم المَيْتَةَ والذَّمَ ولَحْمَ الخِنْزِير وكُلَّ دابَّةٍ ليست مَشْقُوقة الحَافِر، وكل حوتٍ ليس في سَفَاسِقٌ « أي : بياضٌ، ثم نسخ الله ذلك كُلَّهُ بشريعة محمّد ﷺ وأباح لهم ما كان مُحَرَّماً عليهم مِنَ الحيوان، وأزال الحرج بمحمَّد - عليه السلام وألزم الخليقة دين الإسلام، بحلِّة وحرمه وأمره ونهيه، فلو ذَبَحُوا أنعامهم فأكَلُوا ما أحَلَّ لَهُم في التَّوْرَاة وترَكُوا ما حرَّم عليهم فهل يحلُّ لنا؟
قال مَالِكٌ في كِتَاب محمَّد : هي مُحُرَّمة وقال في سماع »
المبسوط « : هي محلَّلة؛ وبه قال ابن نافع.


الصفحة التالية
Icon