وقال ابن القاسم :« أكرَهُه » والصَّحيح حِلُّه؛ لحديث جواب الشَّحْم الذي رَوَاهُ عبد الله بمن مغفل.
قوله :« ذَلَك جَزَيْنَاهُمْ » فيه أربعة أوْجُه :
أحدهما : أنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أي : الأمْر ذلك، قاله الحُوفِيُّ؛ ومكِّي وأبو البقاء.
الثاني : أنه مُبْتَدأ، والخبرما بعده، والعَائِد مَحْذُوفٌ، أي : ذلك جَزَيْنَاهُمُوه، قاله أبو البقاء - رضي الله عنه - وفيه ضَعْف؛ من حيث إنه حَذَف العَائِد المنْصُوب، وقد تقدّم ما فيه في المَائدةَ في قوله - تعالى ﴿ أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ ﴾ [ المائدة : ٥٠ ] وأيضاً فقدَّر العَائِد مُتَّصِلاً، ويَنْبَغي ألا يُقدَّر إلا مُنْفَصِلاً ولكنه يَشْكُل حذفه، وقد تقدَّم تحقيقُهُ في أوّل البقرة.
وقال ابن عطيَّة :« ذلك في مَوْضِع رَفْعٍ » ولم يُبَيْنْ على أيِّ الوَجْهيْن المتقدِّمَيْن، ويَنْبَغي أن يُحَمَل على الأوَّل؛ لضعف الثَّاني.
الثالث : أنه مَنْصُوب على المَصْدَر، وهو ظاهر كلام الزَّمْخَشَري؛ فإنه قال :« ذلك الجَزَاء جزيْنَاهُم وتَحْريمُ الطِّيِّبات »، وإلا أن هذا قَدْ يَنْخَدِشُ بما نقله ابن مالك، وهو أنَّ المَصْدَر إذا أشِير إليه، وجب أنْ يُتْبَع بذلك المَصْدَرُ؛ فيقال :« ضَرَبْتُ ذلِك الضَّرْبَ » و « قُمْتُ هذا القِيَامَ » ولو قُلْت :« ضَرَبْت زَيْداً ذَلِك » و « قُمْت هذا » لم يَجزْ، ذكر ذلك في الرَّدَّ على من أجَابَ عن قَوْل المُتَنَبِّي :[ الكامل ]

٢٣٧٨- هَذِي، بَرَزْتِ لَنَا فَهِجْتِ رَسِيسا ثُمَّ انْصَرَفءتِ وَمَا شَفَيْتِ نَسِيسا
فإنهم لَحَّنوا المُتَنَبِي، من حيث إنه حَذَف حَرْف النِّدَاء من اسْم الإشَارة، إذ الأصْل : يَاهَذِي.
فأجابوا عنه : بأنَّا لا نُسَلِّم أن « هَذِي » مُنَادى، بل [ اسْم ] إشارة إلى المَصْدَر، كأنَّه قال : بَرَزْتِ هَذِي البَرْزَة.
فردّ ابن مالك هذا الجواب : بأنَّه لا يَنْتَصب اسْمٌ الإشَارة مُشَاراً به إلى المَصْدَر إلا وهو متبوعٌ بالمَصْدَر.
وإذا سُلِّم هذا فيكُون ظاهر قَوْل الزَّمَخْشَري :« إنه مَنْصُوب على المَصْدَر » مردوداً بما رُدَّ به الجوابُ عن بَيْت أبي الطَّيب، إلا أن ردّ أبن مالكٍ ليس بِصَحيح؛ لورود اسْم الإشارة مشاراً به إلى المَصْدَرِ غير مَتْبُوع به؛ قال الشاعر :[ الطويل ]
٢٣٧٩- يَا عمْرُو إنَّكَ قَدْ مَلِلْت صَحَابَتِي وصَحَابَتيكَ إخَالُ ذَالكَ قَليل
قال النّحْويُّون :« ذالك » إشارةٌ إلى مَصْدَر « خال » المؤكِّد له، وقد أنْشَده هُوَ عَلَى ذلك.


الصفحة التالية
Icon