قلنا لما أوجب الإحْسَان إليهما، فقدَّم تحريم الإسَاءة إليها، والله - تعالى أعْلَم.
ثم قال أبو حيَّان : وأمَّا عطف هَذِهِ الأوامِرِ فيحتمل وجهين :
أحدهما : أنها مَعْطُوفة لا على المَنَاهِي قبلها، فيلزم انْسِحَاب التّحْريم عليها؛ حيث كانت في حيِّز « أنْ » التَّفْسِيريَّة، بل هي معطُوفةٌ على قوله :﴿ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ﴾ أمرهم أوّلاً بأمر يترتَّبُ عليه ذِكْرُ مَناهٍ، ثم أمَرَهُم ثانياً بأوَامِر؛ وهذا مَعْنَى وَاضِح.
والثاني : أن تكون الأوَامِر معْطُوفة على المَنَاهِي، وداخلة تحت « أنْ » التَّفْسِيريَّة، ويصِحُّ ذلك على تَقْدير محْذُوفٍ، تكون « أنْ » مُفسِرة له وللمَنْطُوق قبله الذي دَلَّ على حَذْفِه، والتَّقْدير : وما أمَرَكُم به، فحذف وما أمَرَكُم به لدِلالةِ ما حرَّم عليه؛ لأن مَعْنَى ما حرَّم ربكم : ما نَهَاكُم ربُّكم عنه، فالمعنى : تعالَوْا أتْل ما نَهَاكُم ربُّكم عنه وما أمَرَكُم به، وإذا كان التَّقْدير هكذا، صح أن تكُون « أن » تَفْسيريَّة لفِعْل النَّهْي، الدَّال عليه التَّحريم وفِعْل الأمْر المَحْذُوف، ألا ترى أنَّه يَجُوز أن تَقُول : أمرتُكَ ألا تكْرِم جَاهِلاً وأكرم عَالِماً « إذ يجوز أن يُعْطَف الأمْرُ على النَّهي والنَّهي على الأمر؛ كما قال :[ الطويل ]
وهذا لا نَعْلَم فيه خلافاً، بخلاف الجمل المُتَبايِنَة بالخَبَر والاستِفْهَام والإنْشَاء؛ فإن في دواز العَطْف فيها خِلافاً انتهى.٢٣٨٠-.............. يَقُولُونَ لا تَهِلِكْ أسى وتَجَمَّل
الثاني : أن تكون » أنْ « نَاصِبَة للفْعِل بعدها، وهي وما في حَيِّزِهَا في محلِّ نَصْبٍ بدلاً من » مَا حَرَّم «.
الثالث : أنها النَّاصِبة أيضاً، وهي وما في حَيِّزها بدلٌ من العَائِد المحذُوف، إذا التَّقْدير : ما حَرَّمه، وهلي في المَعْنى كالذي قَبْلَه.
و » لا « على هذهين الوَجْهَيْن زائدة؛ لئلا يَفْسُد المعنى كزِيَادَتِها شفي قوله - تعالى - :﴿ أَلاَّ تَسْجُدَ ﴾ [ الأعراف : ١٢ ] و ﴿ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ ﴾ [ الحديد : ٢٩ ] والتَّقْدير : حرّم ربُّكُم عليككم أن تُشْرِكوا.
قال أبو حيَّان :» وهذا ضَعِيف؛ لانحصار عُمُوم المحرَّم في الإشْرَاك؛ إذ ما بعده من الأمْر ليس دَاخِلاً في المُحَرَّم، ولا ما بعدها الأمر مما فيه لا يمكن ادّعَا زِيَادة « لا » فيه؛ لظهور أنَّ « لاَ » فيه للنهْي «، ولما مكِّي كونها بَدَلاً من » مَا حَرَّم « [ لم يُنَبّه على زيادة » لاَ « ولا بُدَّ منه.
وقد مَنَع الزَّمَخْشَريُّ أن يكُون بدلاً من » مَا حَرَّمَ « ] فقال :» فإن قُلْتَ : هلا قُلْت : فهي الَّتِي تَنْصِب الفْعْل، وجعلت « ألاَّ تُشْرِكُوا » بدلاً من « ما حَرَّمَ ».
قلت : وجب أن يكُون : ألاَّ تُشْرِكُوا، ولا « تَقْرَبوا » و « لا تقْتُلوا » و « لا تَتّبِعُوا السُّبُلَ
نواهي؛ لانعطاف الأوَامِر الأوَامِر عليها، وهي قوله - تعالى - ﴿ وبالوالدين إِحْسَاناً ﴾ ؛ لأن التقْدير : وأحْسِنُوا بالوالدين إحْسَاناً، وأوْفُوا وإذا قلتم فاعدلوا، وبعهد الله أوفوا.