فإن قُلْت : فما تَصْنَع بقوله :﴿ وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه ﴾ [ الأنعام : ١٥٣ ] فيمن قَرَأَ بالفَتْح؛ وإننما يستقيم عَطْفُه على « ألاَّ تُشْرِكُوا » إذا جعلْت « أنْ » هي النَّاصِبَة، حتى يكون المَعْنَى : أتْل عَلَيْكُم نَفْي الإشْرَاكِ، وأتل عَلَيْكم أنَّ هذا صِرَاطِي مستَقياً؟
قلت : أجْعَلُ قوله :« وأنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقيماً » علَّةً للاتِّبَاع بتقدير اللام؛ كقوله ﴿ وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً ﴾ [ الجن : ١٨ ] بمعنى : واتَّبْعُوا صراطِي، لأنَّه مسْتَقِيمٌ، أو : واتِّبِعُوا صِرَاطي أنَّه مُسْتَقيم «.
واعترض عليه أبُو حيَّان بعد السُّؤال الأوّل وجوابه، وهو :» فإن قلت :« هلاَّ قُلْت هي النَّاصِبَة » إلى : و « وبِعْهْد الله أوْفُوا » فقال : لا يَتَعَيِّنُ أن تكُون جِمِيع الأوَامِر معطُوفَة على ما دخل عليه « لا » لأنَّا بيَّنَّا جواز عَطْفِ « وبالوَالِدَيْن إحْساناً » على « تَعَالَوْا » وما بَعْدَه معطوف عليه، ولا يكون قوله « » وبالوَالِدَيْن إحْسَاناًط معطوفاً على « ألا تُشْرِكُوا ».
الرابع : أن تكون « أنْ » النَّاصِبة وما في حَيِّزها مَنْصُوبة على الإغْرَاء بأ « عَلَيْكُم »، ويكون الكلامُ الأوَّل قد تمَّ عند قوله :« رَبُّكُم »، ثم ابْتَدأ فقال : عَلَيْكُم ألاَّ تُشْرِكوا، أي : ألزَمُوا نفي الإشْراك وعدمه، وإكان ذَكَرَه جماعةٌ كما نقله انب الأنْبَاريِّ- ضَعِيفٌ؛ لتفك التركيب عن ظَاهِرهِ؛ ولأنه يَتَبَادَر إلى الذِّهْنِ.
الخامس : أنها وما فِي حيِّزها نَصْب أو جرِّ على حَذْف لام العِلَّة، والتقدير : أتْلُ ما حرَّم ربُّكم عليكم لِئَلا تُشْرِكُوا، و [ هذا ] مَنْقُول عن أبِي إسْحَاق، إلا أن بَعْضَهم استَبْعَدَه من حَيْث إن ما بَعْدَه أمرٌ مَعْطُوف بالواو، ومناهٍ معطوفة بالواوِ أيضاً، فلا يُنَاسِب أن يكون تبييناً لما حرَّم، أمَّا الأمْرفمن حيثُ المعنى، وأمّا المناهِي فمن حيثُ العَطْف.
السادس : أن يكون هِي وما بَعْندَها في محلِّ نصب بإضمار فِعْل، تقديره : أُوصِيكم ألاَّ تُشْرِكُواح لأن قوله ﴿ وبالوالدين إِحْسَاناً ﴾ محمولٌ على أوصِيكُم بالوَالدَيْن إحْسَاناً، وها مذهب أبي إسْحَاق ايضاً.
السابع : أن يكون « أنْ » وما في حيِّزها في مَوْضع رَفْع على أنها خَبَر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أي : المُحَرَمُ ألاَّ تُشْرِكُوا، أو المَتْلُوُّ ألا تشركوا، إلا أن التَّقْدِير بنحو المَتْلُو أحْسَن؛ لأنه لا يُحْوِج إلى زِيَادة « لا »، والتقدير بالمحَرَّم ألاَّ تشركوا، يُحْوِج إلى زِيَادتِها لئلا يَفْسُد المَعْنَى.
الثامن : أنها في مَحَلِّ رفْع أيضاً على الابْتِدَاء، والخبر الجَارُّ قبله، والتقدير : علَيْكُم عَدَمُ الإشراكش، ويكون الوَقْفُ على قوله :« رَبُّكم » كما تقدَّم في وجْه الإغْراءِ، هذا مذهب لأبي بَكْر بن الأنْبَاري؛ فإنه قال :« ويجُوز ان يكُون في مَوْضِع [ رفع ] ب » على ] كما تقول :« كُتِبَ عليكم الصيَام والحَجُّ ».