قوله :﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا ﴾
حمله المُفَسِّرون على أدَاءِ الشَّهَادة والأمْر والنَّهي.
قال القاضي « وليس الأمْر كذلك، بل يَدْخُل فيه كُلُّ ما يتصل بالقَوْل من الدَّعْوة إلى الدِّين، وتَقْرير الدَّلائل عليه، ويَدْخُل فيه أن يكُون الأمْر بالمَعْرُوف والنَّهِي عن المنكر وَاقِعاً على الوَجْه بالعَدْل من غير زِيَادة في الإيذَاء والإيحَاشِ، ونُقْصَان عن القدر الواجب، ويدخل فيه الحِكَايات التي يَذْكُرها الرَّجُل حتى لا يَزيد فيها ولا يَنْقُص عنها، ومن جملتها تَبْلِيغ الرِّسالات النَّاسَ وحكم الحَاكِم، ثم إنه - تبارك وتعالى - بيَّن أنه يَجِبُ أن يُسَوَّى فيه بين القَريب والبَعيد، فقال :» ولَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى « ؛ لأن المَقْصُود منه طلب رضوان الله - تعالى-، وذلك لا يَخْتَلف بالقُرْب والبُعْد، ولو ان المقُولُ له والمَقول عليه ذَا قُرْبَة.
قوله :»
وبِعَهْد اللَّهِ « يجُوزُ أن يكُون من بابِ إضافَةِ المصدر لفاعله، أي : بما عَاهَدَهكم اللَّهُ عليه، وأن يكُون [ مُضافاً لمفعُوله، أي : بما عاهدتم اللَّه عليه؛ كقوله :﴿ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ ﴾ [ الأحزاب : ٢٣ ] ﴿ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ ﴾ [ الفتح : ١٠ ] وأن تكون ] الإضافة لمجرد البيان، أُضَيفَ إلى اللَّه - تعالى - من حَيْثُ إنه الآمِرِ بِحِفْظِهِ والمراد به العَهْد الواقع بين الآيَتَيْن.
فإن قيل : ما السَّبَبُ في أن خَتْمَ الآية الكريمة بقوله :»
تَذَكَّرُون « وخاتمة الأولى » تَعْقِلُونَ «.
فالجواب لأن الأربعة قَبْلَها خَفِيَّة، تحتاج إلى إعمال فِكْر ونظر، حتى يقف مُتَعاطيها على العَدْل، فناسبها التذكير، وهذا بخلاف الخمسة الأشياء فإنها ظاهرة تعلقها وتَفْهَمُها؛ فلذلك ختمتْ بالفعل.
»
تَذَكرُون « حيث وَقَع، يقرؤه الأخوان وعَاصِم في رواية حَفْصِ بالتَّخْفِيف، والباقون بالتَّشْدِيد، والأصْل :» تَتَذَكِّرُون « فمن خَفَّف، حذف إحْدى التَّاءَيْن، وهل هِي تاءُ المُضراعة أو تاء التَّفْعُل؟ خلاف مَشْهُور، ومن ثقَّل، أدْغَم التَّاء في الدَّال.


الصفحة التالية
Icon