قوله :« وأنَّ هَذَا » قرأ الأخوان : بكَسْر « إنّ » على الاسْتِئْنَاف أو يكون « أتل » بمعنى : أقول إن هذا، و « فاتبعوه » جملة معطوفة على الجُمْلَة قَبْلَها. وهذه الجملة الاستِنئْنَافيَّة تفيد التَّعْلِيل لقوله :« فاتَّبِعُوه »، ولذلك اشْتَشْهَد بها الزَّمَخْشَري على ذلك كما تقدَّم، فعلى هذا يَكُون الكلام في الفاء في « فاتَّبِعُوهُ » كالكلام فِيهَا في قِرَاءة غيرها، وسيأتي.
وقرأ بان عامر :« وأنْ » بفتح الهمزة وتخفيف النون، والباقون بالفتح أيضاً والتَّشْدِيد.
فأمَّا قرءاة الجماعة ففيها أربعة وُجُوه :
أحدها : وهو الظَّاهِر- : أنها في محلِّ نصب نسقاً على ما حرَّم، أي : أتْل ما حرَّم، وأتل أنْ هذا صِرَاطي مُسْتَقِيماً، والمراد بالمُتَكَلِّم النبي ﷺ ؛ لأنه صِرَاطَه صِرَاط اللَّه- تعالى-، وهذا قول الفرَّاء - قال :« بفَتْح » أنْ « مع وُقُوع » أتْل « عليها، يعني : أتْلُ عليْكم أنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ».
والثاني : أنها مَنْصُوبة المحلِّ أيضاً نَسَقاً على « ألاَّ تُشْرِكُوا » إذا قُلْنَا بأنَّ « أنْ » المصديَّة « وأنَّها وما بعدها بدل من » ما حرَّم « قاله الحُوفِيُّ.
الثالث : أنها على إسْقَاطِ حَرْف لام العِلَّة، أي : ولأن هذا صِرَاطي مستَقيماً فاتبعوه؛ كقوله - تعالى- ﴿ وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً ﴾ [ الجن : ١٨ ].
قال أبو عَلِيّ : من فتح »
أنَّ فَقِيَاس قول سبيويه - رحمه الله تعالى - أنه حملها على « فاتِّبعُوه » والتقدير : ولأن صِرَاطي مُسْتَقيِماً فاتِّبْعُوه؛ كقوله :﴿ وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ [ المؤمنون : ٥٢ ].
قال سيبويه :« ولأنَّ هَذِه أمَّتُكُم » وقال في قوله - تعالى- : و « أنَّ المساجِدَ لِلَّه » : ولأنَّ المَسَاجِد.
قال بعضهم :« وقد صرَّح بهذا اللام في نَظِيره هذا التَّرْكيب؛ كقوله- تعالى :﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشتآء والصيف فَلْيَعْبُدُواْ ﴾ [ قريش : ١-٣ ] والفاء على هذا كَهيِ في قولك : زيداً فَاضِرب، وبزيد فَامْرُو، وتقدم تَقْرِيره في البقرة.
قال الفَارسِي : قِيَاس قوله سيبويه في فتح الهَمْزَة أن تكُون الفَاء زَائِدة كَهِي في »
زَيْد فقَائم «.
قال شهاب الدِّين - رحمه الله تعالى - :»
سيبويه لا يَجُوِّز زيادَتَها في مِثْل هذا الخَبَر، وإنما أراد أبُو عَلِيِّ بنظيرها في مُجَرَّد الزِّيَادة وإن لم يَقُل به، بل قال به غَيْره «.
والرابع : أنها في محلِّ جرِّ نسقاً على الضَّمِير المَجْرُور في »
بِهِ « أي :» ذلكم وصَّاكُم به « وبأنَّ هذا هو قول الفراء أيضاً. وردّه أبو البقاء بوجْهَيْن :
أحدهما : أنه يَصِير المَعْنى : وصَّاكُم باسْتِقَامة من غَيْر إعادة الجارِّ.
الثاني : أنه يَصِير المَعْنَى : وصًّاكُم باسْتِقَامة الصِّراط، وهذا فاسد.
قال شهاب الدِّين : والوجهان مردُودَان :
أما الأوَّل : فليس هذا من باب العَطْف على المُضْمَر من غير إعضادة الجارِّ؛ لأن الجارَّ هُنَا في قوَة المَنْطوق به، وإنما حُذِفَ؛ لأنَّه يَطَّرِد حَذْفُه مع أنَّ وأنْ لطُولِهِما بالصِّلة، ولذلك كان مَذْهِبُ الجمهور أنها في محلِّ جرِّ بعد حذفه لأنَّه كالموجُود، ويدل على ما قلته، ما قال الحُوفِيّ، قال :»
حُذِفت البَاء لِطُول الصِّلة وهي مُرَادة، ولا يكن هذا عَطْفُ مُظْهَر على مُضمر لإرادتها «.


الصفحة التالية
Icon