وأمّا الثاني : فالمعنى : صَحيح غير فَاسِد؛ لأن مَعْنَى توصيتنا باسْتِقَامة [ الصِّراط ألاَّ نَتَعَاطى ما يُخْرِجُنا من الصَّراطِ فوصيتنا باسْتِقَامَتِه ] مبالغة في اتِّباعِه.
وأما قراءة ابن عامر فقالوا :« أنْ » فيها مُخَفَّفَة من الثَّقِيلَة، واسمها ضمير الأمْر والشأن، أي :« وأنَّهُ » كقوله - تعالى - ﴿
١٦٤٩; لْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالمين ﴾ [ يونس : ١٠ ] وقَوْل الأعْشى : البسيط ]
٢٣٨٤- فِي فِتْيَةٍ كسُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِموا | أنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى ويَنْتَعِلُ |
وقرأ بان عامر وابن كثير :« سِرَاطِي » بالسِّين، وحمزة : بين الصَّاد والزَّاي، والباقون : بالصَّاد صافية، وفي مُصْحَف عبد الله :« وهذا صِرَاطي » بدون « أنّ »، و « هذا » صِرَاط ربِّك «.
قوله :﴿ فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل ﴾.
أي : الطُّرُق المختَلِفة التي عدا هذا الطَّريق؛ مثل اليَهُودِيَّة، والنصرانية، وسائر الملل، وقيل : الأهْوَاء والبدع.
﴿ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ أي : فتقَعُوا في الضِّلالاتِ.
روى أنب مَسْعُود - رضي الله عنهما- » عن النَّبي ﷺ، أنه خَطَّ خَطأ عن يَمِينه، وخطَّ عن شَمَالِهِ خُطُوطاً، ثم قال : هذا سبيل اللَّهِ، وهذه سُبُلٌ، على كُلِّ سبيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُوا إلَيْهَا، ثم تى :« وأنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقيماً فاتِّبِعُوه ».
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما- هذه الآيَاتُ مُحْكَمَات، لم يَنْسِخْهُنَّ شيء من جَمِيع الكُتُب، من عَمِل بِهِنَّ، دخل الجنَّة، ومن تركَهُنَّ، دخل النار.
قوله :« فتفَرَّق » منصوب بإضمار « أنْ » بعد الفَاءِ في جواب النَّهْي، والجُمْهُورُ على « فَتَفَرَّق » بتاء خَفِيفَة، والبزِّيُّ بتشْدِيدهَا فمن خفَّف، حذف إحْدى التَّاءَيْن، ومن شدَّد أدْغم؛ وتقدم هذا في ﴿ تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [ الأنعام : ٨٠ ].
و « بكم » : يجوز أن يكُون مَفْعُولاً به في المَعْنَى، أي : فَيُفَرِّقُكُم، ويجُوز أن تكون حالاً، أي : وأنْتُم معها؛ كقوله القَائِل في ذلك :[ الوافر ]
٢٣٨٥-................. | تَدُوسُ بِنَا الجَمَاجِمَ والتَّريبَا |
فصل في فضل هذه الآية
قال القُرْطُبيُّ في هذه الآية الكريمة :« وهذه آيَةٌ عَظِيمَةٌ عطفها على ما تقدَّم، فإنه لمَّا نَهَى وأمر حَذَّر هنا عن اتِّبَاع غَيْر سَبِيله، فأمر فيها باتِّباع طَريقة ».
« مستقيماً » نصْب على الحَالِ، ومعناه : مُسْتَوياً قَائِماً لا اعْوجَاج فيه، وقد بَيَّنه على لسان نبيِّه ﷺ، ونشأت منه طُرُقٌ، فمن سلك الجَادّة نجا، ومن خرج إلى تلك الطُّرُق أفضت به إلى النَّارِ قال -تعالى- :﴿ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ أي : تميل.