أصل « ثُمَّ » : المُهلة في الزمان، وقد تأتي للمُهْلة في الإخبار.
وقال الزَّجَّاد : وهو مَعْطُوف على « أتْلُ » تقديره : أتْلُ ما حرَّم ثم أتْلُ ما آتيْنَا.
وقيل : هو مَعْطُوف على « قَلْ » أي : على إضْمَار قل، أي : ثم قل : آتينا.
وقيل : تقديره : ثم أخْبِرُكم آتَيْنا.
وقال الزمخشري : عطف على وصَّاكُم به « قال :» فإن قلت : كيف صَحَّح عطفه عليه ب « ثم »، والإيتَاء قبل التَّوْصِيَة به بَدّهْر طَويل؟
قال شهاب الدين : هذه التَّوصية قديمة لم يَزلْ تتواصها كل أمَّةٍ على لسان نبيِّها، فكأنه قيل : ذلك وَصَّاكُم به يا بَنِي آدَمَ قَديماً وحَديثاً، ثم أعْظَم من ذَلِك أنَّا آتَيْنَا موسى الكِتَاب.
وقيل : هو مَعْطُوف على ما تقدَّم قبل شَطْر السورة من قوله :﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ﴾ [ الأنعام : ٨٤ ].
وقال ابن عطية - رحمه الله تعالى - :« مهلتها في تَرْتَيب القَوْلِ الذي أمر به محمَّد ﷺ كأنَّه قال : ثم مِمَّاه وصِّيْنَاه أنا أتَيْنَا مُوسى الكتاب، ويدعو إلى ذلك أن موسى- عليه السلام- مُتقدِّم بالزمان على محمَّد - ﷺ - ».
وقال أبُو حيَّان :« والذي ينبغي أن يُسْتَعْمَل للعَطْفِ كالواو من غير اعِتِبَار مُهْلَةٍ، وبذلك قال [ بَعْض ] النَّحْويِّين ».
قال شهاب الدّين : وهذه استراحة، وأيضاً لا يلزم من انتفاء المهلة الترتيب فكان ينبغي أن يقول من غير اعتبار ترتيب ولا مهلة على أن الفرض في هذه الآية عدم الترتيب في الزمان.
قوله :« تَمَاماً » يجوز فيه خَمْسَة أوْجُه :
أحدهما : أنَّه مفعول من أجْلِهِ، أي : لأجْل تمامِ نِعْمَتِنَا.
الثاني : أنَّه حالٌ من الكِتَاب، أي : حَالَ كَوْنه تَمَاماً.
الثالث : أنَّه نَصْب على المصدرِ؛ لأنَّه بمعنى : آتيناهُ تمامٍ، لا نقصان.
الرابع : أنه حالٌ من الفاعل، أي : مُتِمِّين.
الخامس : أنَّه مصدرٌ مَنْصُوب بفِعْل مُقَدَّر من لفظه، ويكون مصدراً على حَذْف الزَّوائِد، والتقدير : أتَمْنَاهُ إتْمَاماً، و « على الذي » مُتعلِّق ب « تماماً » أو بمحذُوف على أنَّه صِفَة، هذا إذا لم يُجْعَلْ مصدراً مؤكَّداً، فإن جُعِلَ، تعيِّن جعلُه صِفَة.
و « أحسن » فيه وجهان :
أظهرهما : أنه فِعْلٌ ماض واقعٌ صلةً للموصول، وفاعله مُضْمَرٌ يعود على مُوسى- ﷺ - أي : تماماً على الذي أحْسَن؛ فيكون الذي عبارةٌ عن مُوسَى.
وقال أبو عبيدة : على كُلِّ من أحْسَن، أي : أتممنا فَضِيلَة مُوسَى - ﷺ - بالكتاب على المُحْسِنين من قومه، أي : على من أحْسَن من قومه، وكان فيهم مُحْسنٌ ومُسِيءٌ، وتدُلُّ عليه قِرَاءة ابن مَسْعُود : وعلى الذي أحْسَن.
وقيل : كُلُّ من أحسن، أي : الذي أحْسَنَهُ موسى من العِلْم، والحِكْمَة، والإحْسَان في الطاعة والعِبَادة، وتَبْلِيغ الرِّسَالة.