قال مُجَاهِدٌ :« شكٌّ، والخِطَابُ للرَّسُولِ ﷺ والمرادُ به الأمة، ويُسَمَّى الشكُّ حَرَجاً؛ لأن الشَّاكَّ ضَيِّقُ الصَّدْرِ كما أن المتيقن منشرح القَلْبِ ».
وقال أبُو العالية رحمه الله عليه، حَرَجٌ : ضِيقٌ، والمعنى : لا يَضِيقُ صدركَ بسبب أن يكذِّبُوكَ في التَّبْلِيعِ.
قال الكيا : فظاهرُهُ النَّهْي ومعناه : نَفْيُ الحَرَج عنه ﷺ أي : لا يضيقُ صَدْرُكَ ألاَّ يؤمنوا به فإنَّما عليك منه البلاغ وليس عليك سوى الإنْذَارِ به، ومثله قوله عزَّ وجلَّ :﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ الشعراء : ٣ ].
قوله :« مِنْهُ » متعلق ب « حَرَجٌ ». و « مِنْ » سببيَّةٌ أي حرج بسببه تقول : حَرِجْتُ منه أي : ضقْتُ بسببه، ويجوز أن يتعلَّقَ بمحذوف على أنَّهُ صفةٌ له أي : حَرَجٌ كَائِنٌ وصادر منه، والضَّمِيرُ في « مِنْهُ » يجوز ن يعود على الكِتابِ وهو الظَّاهِرُ، ويجوزُ أن يعود على الإنزالِ المدلول عليه ب « أُنْزِلَ »، أو عَلى الإنذارِ، أو على التَّبْليغِ المدلُولِ عليهما بسياق الكلامِ، أو على التَّكْذِيبِ الَّذِي تضمنه المعنى، والنهي في الصُّورةِ للحَرَج، والمرادُ الصَّأدِرُ منه مبالغةً في النَّهْيِ عن ذلك كأنَّهُ قيل : لا تتعاطى أسباباً ينشأ عنها حرج، وهو من باب « لا أرَيَنَّكَ ههنا »، النهي متوجه على المتكلم والمراد به المخاطب كأنه قال : لا تكن بحضرتي فأراك ومثله :﴿ فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا ﴾ [ طه : ١٦ ].
قوله :« لتُنْذِرَ بِهِ » في متعلق هذا « اللاَّم » ثلاثة أوجه.
أحده : أنَّها متعلِّقة ب « أنْزلَ » أي : أنْزِلَ إليك للإنذار، وهذا قول الفرَّاء قال : اللاَّم في « لِتُنْذِرَ » منظومٌ بقوله :« أُنْزِلَ » على التَّقْديمِ والتَّأخِير، على تقدير : كتاب « أُنْزِلَ إليك لِتُنْذِرَ بِهِ فلا يَكُنْ ». وتبعه الزَّمَخْشَرِيُّ والحُوفِيُّ، وأبُو البقاءِ على ذلك، وعلى هذا تَكُونُ جُمْلَةُ النَّهْي معترِضَةً بَيْنَ العِلَّة ومعلولها، وهو الذي عناه الفرَّاءُ بقوله :« على التَّقْدِيم والتَّأخير ».
والثاني : أنَّ اللامَ متعلِّقةٌ بما تعلَّقَ به خَبَرُ « الكَوْنِ » إذ التقدير : فلا يكن حَرَجٌ مستقراً في صَدْرِكَ لأجْلِ الإنْذَارِ. كذا قاله أبو حيَّان عن الأنْبَارِيِّ، فإنَّهُ قال :« وقال ابْنُ الأنْبَارِيّ : التقدير : فلا يكن في صدرك حرجٌ منه كي تُنْذِرَ بِهِ فجعله متعلقاً بما تعلَّق به » في صَدْرِكَ «، وكذا علَّقه به صاحبُ » النَّظْمِ «، فعلى هذا لا تكون الحملة معترضة ».
قال شهابُ الدِّين : الذي نقله الواحديُّ عن نصِّ ابْنِ الأنباريِّ في ذلك أن « اللاَّمَ » متعلِّقةٌ ب « الكون »، وعن صاحب « النَّظْمِ » أنَّ اللاَّمَ بمعنى « أنْ » وسنأتي بنصَّيْهما إن شاء الله تعالى، فيجوز أن يكون لهما كلامان.