الثالث : أنَّها متعلِّقةٌ بنفس الكَوْنِ، وهو مَذْهَبُ ابن الأنْبَارِيِّ والزَّمَخْشَرِيِّ، وصاحب « النَّظْمِ » على ما نقله أبُو حيَّان.
قال أبُو بَكْرِ بْن الأنْبَارِيِّ : ويجوزُ أن تكون اللاَّمُ صلةً للكون على معنى :« فلا يَكُن في صَدْرِكَ شيء لتنذر، كما يقول الرجُلُ للرَّجُل لا تكن ظالماً لتقضي صاحبك دينه فتحمل لام كي على الكون ».
وقال الزَّمَخْشَريُّ : فإن قُلْتَ : بِمَ تعلَّق به « لِتُنْذِرُ » ؟ قُلْتُ : ب « أُنزل » أي : أنزل لإنذارك به، أو بالنَّهي؛ لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم، وكذا إذا علم أنَّهُ من عند الله شجعه اليقين على الإنْذَارِ.
قال أبُو حيَّان :« فقوله : بالنَّهْي ظاهره أنَّهُ يتعلَّقُ بفعل النهي فيكونُ متعلقاً بقوله :» فَلاَ يَكُنْ «، وكان في تعليق المجرور والعمل في الظَّرْفِ فيه خلاف، وَمَبْنَاهُ على أنَّ » كان « النَّاقِصَة هل تدل على حدثٍ أم لا؟
فمن قال : إنَّهَا تدلُّ على الحدثِ جوَّزَ ذلك، ومن قال : لا تَدُلُّ عليه منعه ».
قال شهابُ الدِّين : الزَّمَخْشَرِيُّ مسبوق إلى هذا الوجه، بل ليس في عبارته ما يدلُّ على أنَّهُ متعلق ب « يَكُونُ » بل قال « بالنَّهْي » فقد يريدُ بما تضمَّنه من المعنى، وعلى تقدير ذلك فالصَّحيحُ أنَّ الأفعالَ النَّاقِصَةَ كلَّهَا لها دلالةٌ على الحدثِ إلاَّ « لَيْسَ »، وقد أقمت على ذلك أدلَّةً وأتيتُ من أقوالِ النَّاسِ بما يَشْهَدُ لصحَّةِ ذلك كقولِ سيبويه، وغيره في غير هذا المَوْضُوعِ.
وقال صاحبُ « النَّظْم » : وفيه وجهٌ آخرُ، وهو أن تكون اللاَّمُ بمعنى أنْ والمعنى : لا يضيقُ صَدْرُكَ ولا يَضْعُفْ [ عن ] أن تُنْذِرَ به، والعربُ تضعُ هذه اللام في موضع « أنْ » كقوله تعالى :﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ الله ﴾ [ التوبة : ٣٢ ] وفي موضع آخر :﴿ لِيُطْفِئُواْ ﴾ [ الصف : ٨ ] فهما بمعنى واحد.
قال شهابُ الدِّين : هذا قولٌ ساقطٌ جدّاً، كيف يكون حرفُ مختص بالأفعال يقع موضع آخر مختص بالسماء؟
قوله :« وَذِكْرَى » يجوزُ أن يكون في محلِّ رَفْعٍ، أو نَصْبٍ، أو جَرٍّ.
فالرَّفْعُ من وجهين، أحدهما : أنها عطف على « كِتَابٌ » أي : كتابٌ وذكرى أي : تَذْكِيرٌ، فهي اسم مَصْدَرٍ وهذا قول الفرَّاءِ.
والثاني من وجهي الرَّفْع : أنَّهَا خبر مُبتدأ مُضْمرٍ أي : هو ذكرى، وهذا قولُ الزَّجَّاج.
والنَّصْبُ من ثلاثة أوْجُهٍ :
أحدها : أنَّهُ منصوبٌ على المصدر بفعل من لَفْظِهِ تَقْديرُهُ : وتذكر ذكرى أي تَذْكِيراً.
الثاني :[ أنها ] في محلِّ نَصْبٍ نَسَقاً على مَوْضِع « لِتُنْذِرَ » فإن موضعه نصب، فيكونُ إذْ ذاكَ معطُوفاً على المَعْنَى، وهذا كما تعطفُ الحال الصريحة على الحالِ المؤوَّلة كقوله تعالى :