﴿ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً ﴾ [ يونس : ١٢ ]، ويكونُ حينئذٍ مفعولاً من أجْلِهِ كما نقُولُ :« جِئْتُكَ لِتُكْرمَنِي وإحْسَاناً إليَّ ».
الثالث : قال أبُو البقاء :- وبه بَدَأ - :« إنَّها حال من الضمير في » أنزل « وما بينهما مُعْتَرِضٌ ». وهذا سَهْوٌ فإنَّ « الواو » مانعة من ذلك، وكيف تَدْخُلُ الواوُ على حالٍ صريحةٍ؟ والجرُّ من وجهين أيضاً.
أحدهما : العطفُ على المَصْدَرِ [ المُنْسَبِك من « أنْ » المقدَّرة بعد لام كي، والفعل، والتَّقديرُ : للإنْذَارِ والتَّذْكِيرِ.
والثاني : العطفُ ] على الضَّميرِ في « بِهِ »، وهذا قول الكُوفيِّين، والذي حسَّنَهُ كون « ذِكْرَى » في تقدير حرفٍ مصدريٍّ - وهو « أنْ » - والفعل لو صرح ب « أنْ » لحسُنَ معها حذفُ حرفِ الجرِّ، فهو أحْسَنُ من « مررتُ بِكَ وَزَيْدٍ » إذ التَّقْديرُ : لأن تنذر به وبأن تُذَكِّر.
وقوله :« لِلمُؤمِنِيْنَ » يجوز أن تكون « اللاَّمُ » مزيدةً في المفعولِ به تقويةً له؛ لأنَّ العاملَ فَرْعٌ، والتقديرُ : وتذكِّرَ المُؤمنينَ.
ويجوزُ أنْ يتعلَّقَ بمحذُوفٍ؛ لأنَّهُ صِفَةٌ ل « ذِكْرَى ».
فصل في معنى الآية
قال ابْنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يريدُ مَوْعِظَةً للمصدِّقين.
فإن قيل : لم قيَّد هذه الذِّكْرَى بالمؤمنين؟
فالجوابُ : هو نَظِيرُ قوله :﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة : ٢ ].
قال ابْنُ الخَطيب : والبَحْثُ العقلِيُّ فيه أنَّ النُّفُوس البشريَّةَ على قِسْمَيْنِ : بَلِيدةٌ جَاهِلَةٌ بعِيدَةٌ عن عَالمِ الغَيْبِ غَريقَةٌ في طلب اللَّذَّاتِ الجُسْمَانِيَّةِ، ونفوسٌ شريقةٌ مشرقةٌ بأنوار الإلهيَّةِ، فبعثه الأنبياء في حق القسم الأول للإنْذَارِ والتَّخْوِيفِ فإنَّهُم لمَّا غرقوا في نومِ الغَفْلَةِ ورَقْدَةِ الجَهالةِ احْتَاجُوا إلى مُوقِظٍ يُقِظُهُمْ.
وأمَّا في حقِّ القسم الثَّانِي فتذكير وتنبيه؛ لأنه ربما غَشِيَهَا من غَوَاشِي عالم الجِسْمِ فيعرضُ لها نوعُ ذُهُولٍ وغَفْلَةٍ، فإذا سَمِعَتْ دعوةَ الأنبياء واتَّصل لها أنوارُ أرواحِ رُسُلَ اللَّهِ؛ تَذكَّرَتْ مركزَهَا؛ فثبت أنَّهُ تعالى إنَّمَا أنزلَ هذا الكتاب على رَسُولِه؛ ليكونَ إنذاراً في حقِّ طائفةٍ، وذكرى في حقِّ طائفة أخْرَى.