القائمُ مقامَ الفاعِلِ الجار والمجرور وفي كيفيَّة النظم وجهان :
الأول : أنه تعالى لمَّا أمر الرَّسول أولاً بالتبليغ ثم أمر الأمة بالقَبُولِ، والمتابعة، وذكر التَّهْديد على ترك القبول والمتابعة، بذكر نُزُولِ العذابِ في الدُّنْيَا - أتبعه بنوع آخر من التَّهْديدِ وهو أنه تعالى يسأل الكل عن كيفية أعمالهم يوم القيامة.
الثاني : أنه تعالى لما قال :﴿ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قالوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [ الأعراف : ٥ ] أتبعه أنه لا يقتصر على الاعتراف منهم يوم القيامة، بل يَنْضَافُ إليه أنَّهُ تعالى يسأل الكُلَّ عن كيفيَّةِ أعمالهم، وبين أن هذا السؤال لا يختصُّ بأهل العقاب، بل هو عامٌّ بأهل العقابِ والثَّوابِ، ونظيره قوله تعالى :﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [ الحجر : ٩٢، ٩٣ ].
فإن قيل : المقصود من السُّؤالِ أن يخبر المسئول عن كيفية أعمالهم، وقد أخبر عنهم أنهم يقرون بأنهم كانوا ظَالمينَ فما فَائِدَةُ السُّؤال بعده؟ وأيضاً قال تعالى بعد هذه الآية :﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ ﴾ [ الأعراف : ٧ ] فإذا كان يقصُّه عليهم بعلم فما معنى هذا السؤال؟
فالجواب : أنَّهُم لمَّا أقَرُّوا بأنهم كانُوا ظالمين مُقَصِّرين سألوا بعد ذلك عن سَبَبِ الظُّلْمِ، والتَّقْصِيرِ، والمقصود منه التَّقْريعُ والتَّوبيخُ.
فإن قيل ما الفائدة في السؤال الرُّسُلِ مع العلم بأنه لم يَصْدُر عنهم تقصير ألبتة؟
فالجوابُ : لأنهم إذا اثبتوا أنه لم يَصْدُرْ عنهم تَقْصِيرٌ ألْبَتَّةَ التحق التَّقْصِيرُ كله بالأمَّةِ، فيتضاعفُ إكرامُ اللَّه تعالى للرُّسل لظهور براءتهم عن جميع موجبات التَّقْصِير، ويتضاعف الخِزْيُ والإهانَةُ في حقِّ الكفَّارِ، ولما ثبت أنَّ ذلك التَّقْصِيرُ كان منهم.


الصفحة التالية
Icon