والثاني : أنَّهُ حالٌ من « الله » أي : أتخاصمون فيه حال كونه هادياً لي، فحجتكم لا تُجْدِي شيئاً؛ لأنها دَاحِضَةٌ.
قوله :« ولا أخَافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ » هذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفةً، أخبر ﷺ بأنه لا يخاف ما يشركون به، وإنما ثِقتُهُ برَبِّه، وكانوا قد خَوَّفُوهُ من ضَرَر يحل لَهُ بسبب سَبِّ آلهتهم.
ويحتمل أن تكون في مَحَلِّ نصب على الحال باعتبارين :
أحدهما : أن تكون ثانيةً عَطْفاً على الأولىن فتكون الحالان من اليااء في « أتُحَاجُّونِّي ».
والثاني : أنها حالٌ من « الياء » في « هداني »، فتكون جملةً حاليةً من بعض جملة حاليةٍ، فهي قريبة من الحال المتداخلة، إلاَّ أنه لا بُدَّ من إضمارِ مبتدأ على هذا الوجه قبل الفعل المضارع، لما تقدَّم من أنَّ الفعل المضارع المنفي بت « لا » حُكْمُهُ حُكْمُ المثبت من حيث إنه لآ تُبَاشِرُهُ الواو.
و « ما » يجوز فيها الأوحه الثلاثة : أن تكون مصدريَّة، وعلى هذا فالهاء في « به » لا تعود على « ما » عند الجمهور، بل تَعُودُ على اللَّهِ تعالى، والتقديرُ : ولا أخَافُ إشراككم باللَّهِ، والمفعول محذوف؛ أي : ما تشركون غير اللَّهِ به، وأن تكون بمعنى « الذي »، وأن تكون نَكِرَةً موصوفةً، والهاء في « به » على هَذيْنِ الوجهين تعود على « ما »، والمعنى : ولا أخاف الذين تشركون الله به، فحذف المعفول أيضاً، كما حذفه في الوجه الأوَّلِ.
وقدَّرَ أبو البقاءِ قبل الضمير مُضَافاً، فقا : ويجوز أن تكون الهاء عائدجة على « ما » أي : ولا أخافُ الذي تشركون به، ولا حاجةَ إلى ذلك.
قوله :« إلاَّ أنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً » في هذا الاستثناء قولان :
أظهرهما : أنه متَّصِلٌ.
والثاني : أنه منقطع، والقائلون بالاتِّصالِ اختلفوا في المستثنى منه، فجعله الزمخشري زماناً، فقال :« إلاَّ وقت مشيئة ربِّي شيئاً يخاف، فحذف الوقت، يعني : لا أخافُ معبوداتكم في وقتٍ قَطُّ؛ لأنها لا تَقْدِرُ على منفعة ولا مضرَّة، إلاَّ إذا شاء رَبِّي ».
وجعله أبو البقاء حالاً، فقال : تقديره إلاَّ في حال مشيئة ربِّين أيْ : لا أخافها في كُلِّ حالٍ إلاَّ في هذه الحالِ.
وممن ذهب إلى انْقِطَاعِهِ ابن عطية، والحوفي، وأبو الققاء في أحَدِ الوجهين.
فقال الحوفي : تقديره :« ولكنْ مشيئة اللَّهِ أيَّاي بضُرِّ أخاف ».
وقال غيره : معناه : ولكن إن شاء ربِّي شيئاً، أي سواء فيكون ما شاء.
وقال ابن عطية : استثناءً ليس من الأوَّلِ، ولما كانت قوة الكلام أنه لا يخاف ضُرّاً، استثنى مشيئة ربَّه في أن يريده بِضُرٍّ.
قوله :« شيئاً » يجوز فيه وجهان :
أظهرهما : أنه مَنْصُوبٌ على المصدر تقديره : إلاَّ أن يشاء ربي شيئاً من المَشِيئةِ.


الصفحة التالية
Icon