قال شهابُ الدِّينِ بعد أنْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ :« بمعنى لمن تبعك الوعيد وهو لأملأنَّ » : كيف يحسن أنْ يتردد بعد ذلك فيقال : إنْ أرَادَ ظاهِرَ كلامه، كيف يريدُهُ مع التَّصْريح بتأويله هو بنفسه؟ وأمَّا قَوْلُهُ على أنَّ « لأمْلأنَّ » في محلِّ الابتداء، فإنَّمَا قاله؛ لأنَّهُ دَالٌّ على الوعيدِ الذي هو في محل الابتداء، فنسب إلى الدَّالِّ ما يُنْسَبُ إلى المدْلُولِ من جِهَةِ المَعْنَى.
وقول الشَّيْخ أيضاً « ومِنْ حَيْثُ كوْنهَا جواباً للقسم المحذوف يمتنع أيضاً إلى آخره » كلام متحمِّل عليه؛ لأنَّهُ لا يريد جملة الجوابِ فقط ألْبَتَّةَ، إنَّمَا يريدُ الجملة القَسَمِيَّةَ برُمتِهَا، وأنَّما استغنى بِذِكْرِهَا عن ذكر قسيمها؛ لأنَّها مَلْفُوظٌ بها، وقد تقدَّم ما يُشْبِهُ هذا الاعتراض الأخير عليه، وجوابُهُ.
وأمَّا قَوْلُ الشَّيْخ :« ولا يَجُوزُ أن تكُونَ الجملة لها مَوْضعٌ من الإعراب لا موضع لها من الإعراب » إلى آخر كلامهِ كُلِّهِ شيء واحد ليس فيه مَعْنىً زَائِدٌ.
قوله :« أجْمَعِيْنَ » تَأكيدٌ. واعْلَمْ أنَّ الأكْثَرَ في أجمع وأخواته المستعملة في التَّأكيد إنَّمَا يُؤتَى بها بَعْدَ « كُلٍّ » نحو :﴿ فَسَجَدَ الملاائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ [ الحجر : ٣٠ ] وفي غير الأكثر قَدْ تَجِيءُ بدون « كل » كهذه الآية الكريمةِ، فإنَّ « أجْمَعينَ » تأكيد ل « مِنْكُمْ »، ونظيرُهَا فيما ذكرما قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ الحجر : ٤٣ ].

فصل


قال ابْنُ الأنْبَاريِّ : الكناية في قوله :« لَمَنْ تَبِعَكَ » عائد على ولد آدم؛ لأنَّهُ حين قال :« وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ » كان مخاطباً لولد آدم فرجعتِ الكِنَايَةُ إليهم.
قال القَاضِي « : دلَّت هذه الآية على أنَّ التَّابعَ والمتبع يَتَّفِقَانِ في أنَّ جهنَّم تُملأ منهما، فكما أنَّ الكَافِرَ تبعه، فكذلك الفاسق فيجب القطع بدخول الفَاسِقَ في النَّار. وجوابه : أنَّ المذكور في الآية أنَّهُ تعالى يَمْلأُ جهنَّمَ ممن تَبِعَهُ، وليس في الآيَة أنَّ كلَّ من تبعه يدخلُ جهنَّم، فسقط هذا الاستدلالُ، ودلَّتْ هذه الآية على أنَّ جميع أهْلِ البدعِ والضَّلالة يَدْخُلُونَ جهنَّمَ، لأنَّ كلهم متابعون إبليس.


الصفحة التالية
Icon