قوله :« وقَاسَمَهُما » المفاعلةُ هنا يحتمل أن تكُونَ على بابها فقال الزَّمَخْشَرِيُّ :« كأنَّهُ قال لهما : أقْسِمُ لكُمَا أنِّي لمن النَّاصِحِينَ، وقالا له : أتقسُم باللَّهِ أنت إنَّكَ لمن الناصحين لنا فجعل ذلك مُقَاسَمَةً بَيْنَهُم، أو أقسم لهما بالنَّصِيحَةِ، وأقسما له بقبُولِهَا، أو أخرج قسم إبليس على وزن المُفَاعَلَةِ؛ لأنَّهُ اجْتَهَد فيها اجتهاد المُقَاسِمِ ».
وقال ابْنُ عطيَّة :« وقَاسَمَهُمَا » أي : حَلَفَ لهما، وهي مفاعلة إذْ قَبُولُ المحلوف له، وإقباله على معنى اليمينِ كالقسم وتقريره : وإنْ كان بَادِىء الرَّأي يعطي أنَّها من واحد ويحتمل أنَّ « فاعل » بمعنى « أفعل » كبَاعَدْته، وأبْعَدْتُهُ، وذلك أنَّ قوله الحَلْف إنَّما كان من إبليس دونهما، وعليه قول خالدِ بْن زُهير :[ الطويل ]
٢٤٣١ - وَقَاسَمَها باللَّهِ جَهْداً لأنْتُمُ | ألَذُّ مِنَ السَّلْوَى إذَا مَا نَشُورُها |
﴿ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين ﴾ أي : قال إبليس : إنِّي حلفت قبلكما، وأنا أعلم أحْوالاً كثيرةً من المصالحِ والمفاسد، لا تَعْرِفَانها، فامْتَثِلا قولي أرشِدكُمَا، وإبليسُ أوَّلُ من حَلَفَ باللَّهِ كاذباً، فلمَّا حلف ظن آدم أنَّ أحداً لا يحلف بالله إلاَّ صَادِقاً فاغبر به.
قوله :﴿ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين ﴾ يجوز في « لَكُمَا » أن تتعلق بما بعده على أن « أل » معرفة لا موصولة، وهذا مذهبُ أبي عُثْمان، أو على أنَّها موصولةٌ، ولكن تُسُومح في الظَّرْفِ وعدليه ما لا يتسامح في غيرهما أتِّسَاعاً فيهما لدورانهما في الكلام، وهو رَأيُ بعض البَصْريِّين، وأنْشَدَ :[ الرجز ]
٢٤٣٢ - رَبَّيْتُهُ حَتَّى إذا تَمَعْدَدَا | كَانَ جَزائِي بالعَصَا أنْ أُجْلَدَا |
٢٤٣٣ -.................... | وَشِفَاءُ غَيِّكِ خَابِراً أنْ تَسْألِي |
وجعل ابن مالك ذلك مطَّرداً في مَسْألةِ أل الموصولة إذا كانت مجرورة ب « من ».
ونَصَحَ يتعدَّى لواحدٍ تارَةً بنفسه، وتارةً بحرف الجرِّ، ومثله شَكَرَ، وقد تقدَّمَ، وكال، ووزن. وهل الأصلُ التعدِّي بحرف الجر والتَّعدِّي بنفسه، أو كل منهما أصْلٌ؟ الرَّاجِحُ الثَّالِثُ.
وزعم بعضُهم أنَّ المفعول في هذه الأفْعَالِ محذوفٌ، وأنَّ المجرور باللاَّم هي الثَّاني، فإذا قُلْتَ : نَصَحْتُ لِزَيْدٍ فالتقديرُ : نصحتُ لزيدٍ الرَّأيَ، وكذلك شضكَر له صنيعه وكِلْتُ له طعامه وَوَزَنْتُ له متاعه فهذا مَذْهَبٌ رابع.