في نظم الآية وجهان :
أحدهما : أنَّهُ تعالى لما بيَّنَ أنَّهُ أمر آدم وحوَّاءَ بالهُبُوطِ إلى الأرض، وجعل الأرض لهما مُسْتَقَرّاً بين بعده أنَّهُ تعالى أنزل كلَّ ما يحتاجون إليه في الدُّنْيَا، ومن جملة ما يُحتاج إليه في الدِّين والدُّنيا اللِّباس.
والثاني : أنَّهُ تعالى لمّا ذكر واقعة آدم في انكشاف العَوْرَةِ، وأنَّهُ كان يخصف الورق على عَوْرَتَيْهِمَا، أتبعه بأن بيَّنَ أنَّهُ خلق اللِّباسَ للخلق، ليستروا به عَوْرَتَهُم، ونبه بتكون الأشياء التي يَحْصُلُ منها اللِّبَاسُ، فصار كأنَّهُ تعالى أنزل اللِّباسَ أي : أنزل أسْبَابَهُ، فعبَّر بالسَّبَبِ عن المُسَبِّبِ.
وقيل : معنى « أنْزَلْنَا » أي : خلقنا لكم.
وقيل : كلُّ بَرَكاتِ الأرضِ منسوبةٌ إلى السَّماءِ كقوله تعالى :﴿ وَأَنزْلْنَا الحديد ﴾ [ الحديد : ٢٥ ] وإنَّما يُسْتَخْرَجُ الحديدُ من الأرْضِ، وقوله :﴿ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ [ الزمر : ٦ ].
وسبب نزلو هذه الآية أنَّهُم كانُوا يطوفون بالبَيْتِ عُرَاةً، ويقولون : لا نطوفُ في ثياب عصينا الله فيها، فكان الرِّجالُي يطوفون بالنَّهارِ، والنِّسَاءُ باللَّيْلِ عراة. قال قتادة.
كانت المرأة تطوف، وتضع يَدَهَا على فَرْجِهَا، وتقول :[ الرجز ]
٢٤٤٤ - أَليَوْمَ يَبْدُوا بَعْضُهُ أوْ كُلُّهُ | وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلاَ أحِلُّهُ |
قوله :« يُوَارِي » : في محلِّ نصبٍ صفة ل « لِبَاساً ».
وقوله :« وَرِيشاً » يحتملُ أن يكون من باب عَطْفِ الصِّفاتِ، والمعنى : وصف اللِّبَاسِ بشيئين : مواراة السَّوْءَةِ، وعبَّر عنها بالرِّيشِ لأنَّ الرِّيشَ زينة للطَّائِر، كما أنَّ اللَّباسَ زينة للآدميِّين، ولذلك قال الزَّمَخْشَرِيُّ :« والرِّيشُ لباسُ الزِّنة، استعير من ريش الطَّيْرِ؛ لأنَّهُ لباسه وزينته ».
ويحتمل أن يكون من باب عطف الشَّيءِ على غيره أي : أنْزَلْنَا عليكم لباسين، لباساً موصوفاً بالمُواراةِ، ولِبَاساً موصوفاً بالزِّينةِ، وهذا اختيارُ الزَّمَخْشَرِيِّ، فإنَّهُ قال بعد ما حَكَيْتُه عنه آنفاً :« أي : أنزلنا عليكم لباسَيْن، لباساً يُواري سَوْءاتكم، ولباساً يُزَيِّنُكُم؛ لأنَّ الزَّينةَ غرضٌ صحيحٌ كما قال تعالى :﴿ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ [ النحل : ٨ ] ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ ﴾ [ النحل : ٦ ] وعلى هذا، فالكلامُ في قوة حذف موصوف، وإقامةِ صفته مُقامه، والتَّقْديرُ : ولباساً ريشاً أي : ذا ريش ».
فصل في وجوب ستر العورة
قال القُرْطُبِيُّ : استدلَّ كثر من العلماء بهذه الآيةِ على وجوب ستر عَوْرَاتهم، وذلك يدلُّ على الأمر بالسَّتْر، ولا خلاف في وجوب سَتْرِ العَوْرَةِ.
واختلفوا في العَوْرَةِ ما هي؟ فقال ابْنُ أبي ذئْبٍ : هي القُبُلُ والدُّبُرُ فقط، وهو قول أهْلِ الظَّاهِر، وابن أبي عَبْلة والطَّبْرِيِّ لقوله تعالى :﴿ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ ﴾، وقوله :﴿ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا ﴾ [ الأعراف : ٢٢ ]، وقوله :﴿ لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِكُمْ ﴾ [ الأعراف : ٢٧ ].
وفي البخاريِّ عن أنس أن رسول الله ﷺ حَسَرَ الإزار عن فَخِذِهِ حَتّى إنِّي أنْظُرُ إلى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ الله ﷺ.