قال ابن عباس : أمر ربِّي ب « لا إله إلا الله » لقوله تعالى :﴿ شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ والملائكة ﴾ [ آل عمران : ١٨ ] إلى قوله :﴿ قَآئِمَاً بالقسط ﴾ [ آل عمران : ١٨ ].
وقال الضحاك : هو بالتوحيد.
وقال مُجَاهِدٌ : والسُّدِّيُّ : بالعدل.
قوله :« وأقِيمُوا » فيه وجْهَانِ :
أظهرهما : أنَّهُ مَعْطُوفٌ على الأمْرِ المقدر أي الذي ينحل إليه المصدر، وهو « بالقِسْطِ » وذلك أنَّ القِسْط مصدر فهو ينحل لحرف مصدري، وفعل، فالتَّقديرُ : قل : أمر ربي بأن أقسطوا وأقيموا، وكما أنَّ المصدر ينحلُّ إلى « أنَّ والفعل الماضي » نحو : عَجِبْتُ من قِيَام زَيْدٍ وخرج، أي : من أن قام، وخَرَجَ ول « أن » وللفعل المضارع كقولها :[ الوافر ]
٢٤٤٩ - لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقرَّ عَيْنِي | ......................... |
وهذا بخلاف « ما » فإنَّهَا لا تُوصَلُ بالأمْرِ، وبخلاف « كي » فإنَّهَا لا توصل إلا بالمُضَارِع، فلذلك لا ينحلُّ المصدر إلى « ما » وفعل أمر، ولا إلى « كي » وفعل ماضي أو مضارع.
وقال الزَّمخْشَرِيُّ : وقل أقيموا وجوهكم أي : اقصدوا عبادته، وهذا من الزَّمَخْشَرِيُّ يحتمل تأويلين :
أحدهما : أن يكون قوله « قل » أراد أنه مقدر غير هذا الملفوظ به فيكون « وأقيموا » معمولاً لقول أمر مقدر، وأن يكون معطوفاً على قوله :« أمر رَبِّي » فإنه معمول ل « قل » وإنما أظهر الزَّمَخْشرِيُّ « قُلْ » مع أقِيمُوا لتحْقيق عطفيته على « أمر رَبِّي ».
ويجوز أن يكُون قوله « وأقِيمُوا » معطوفاً على أمْرٍ محذوف تقديره قل : أقبلوا وأقيموا.
وقال الجُرْجانِيُّ صاحب « النَّظْم » : نسق الأمر على الجر وجاز ذلك؛ لأنَّ قوله ﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي ﴾ قول لأن الأمْرَ لا يكُونُ إلا كلاماً، والكلام قول، وكأنه قال : قل : يقول ربي : اقسطوا وأقيموا، يعني أنَّهُ عطف على المعنى.
و « مسجد » هنا يحتمل أن يكون مَكَاناً وزماناً.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ : في وقت كلِّ سُجُودٍ، وفي مكان كلِّ سُجُودٍ، وكان من حَقِّ « مسجد » بفتح العين لضمها في المضارع، وله في هذا الشذوذ أخوات كثيرة مذكورة في التَّصريفِ.
فصل في المراد ب « أقيموا وجوهكم »
قال مجاهد والسدي : معنى ﴿ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ وجهوا حَيْثُ ما كنتم في الصَّلاةِ إلى الكَعْبَةِ.
وقال ابْنُ عبَّاس والضحاك : إذا حضرت الصَّلاةُ، وأنتم عند مَسْجِدِ فصلُّوا فيه ولا يقولن أحدكُم أصلي في مَسجْدِي.
وقيل : معناه : اجعلوا سجودكم لِلَّهِ خَالِصاً، والسبب في ذكر هذين القولين أنّ إقامة الوجه في العبادة قد تكون باستقبال القِبْلَةِ، وقد تكون بالإخلاص في تلك العِبَادَةِ.