والأقرب هو الأوَّلُ؛ لأنَّ الإخْلاَصَ مذكور بعده، فلو حملناه على معنى الإخلاص صار كأنَّهُ قال : وأخلصوا عند كلِّ مَسْجدٍ وادْعُوه مُخلصينَ، وذلك لا يستقيم. فإن قيل يستقيمُ ذلك إذا علقت الإخلاصَ بالدُّعَاءِ فقط.
فالجواب لما أمكنرجوعه إليهما جميعاً لم يَجُزْ قصرهما على أحدهما خصوصاً مع قوله :﴿ مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ﴾ فعم كل ما يسمى ديناً، وإذا ثبت هذا فاختلفوا في قوله :﴿ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ هل المرادُ منه زمان الصَّلاة أو مكانها على ما تقدم؟
قوله :« مُخْلِصينَ » حال من فاعل « ادْعُوه »، « الدَّين » مفعولٌ به باسْمِ الفاعل وله متعلق ب « مخْلِصِينَ » حال من فاعل « ادْعُوه »، و « الدِّين » مفعولٌ به باسْمِ الفاعل وله متعلق ب « مخْلِصين » ويجوز أن يتعلَّق بمحذوف على أنَّهُ حالٌ من « الدين »، والمراد اعبدوه مخلصين له الطَّاعة.
« والعِبَادَة » قال ابن الخطيب : المرادُ به أعمالُ الصَّلاةِ، وسمَّاها دعاءً لأنَّ الصلاة في اللُغة عبارة عن الدُّعاء، ونظيره قوله ﴿ وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ﴾ [ البينة : ٥ ].
قوله :« كَمَا بَدَأَكُمْ » « الكاف » في محل نَصْبِ نَعْتاً لمصدر محذوف تقديرُهُ : تعُودُون عَوْداً مثل ما بدأكم.
وقيل : تقديره : تُخْرَجُونَ خُرُوجاً مثل ما بَدَأكُم ذكرهما مَكي، والأوَّل أليق بلفظ الآية الكريمة.
وقال ابن الأنْبَارِيِّ : موضع « الكاف » في « كما » نصب ب « تَعُودُونَ » وهو على مذهب العرب في تقديم مفعول الفعل عليه أي : تعودون كما ابتدأ خلقكم.
قال الفارسي : كما بَدَأكُم تعودُون ليس على ظَاهِرِه إذ ظاهره تعودون على البَدْءِ، وليس المَعْنَى تشبيههم بالبَدْءِ، إنَّمَا المعنى على إعادة الخلق كما ابتدئ، فتقدير « كما بَدأكُمْ تعُودُون » : كما بدأ خلقكم أي : يُحيي خلقكم عوداً كبدئه، وكما أنَّه لم يَعْنِ بالبدء ظاهره من غير حذف المضاف إليه، كذلك لم يَعْنِ بالعود من غير حذف المُضافِ الذي هو [ « الخلق » فلما حذف قام المضاف إليه مَقَامَ الفاعِلِ، فصار الفَاعِلُونَ مخاطبين. كما انه لما حذف المضاف ] من قوله :﴿ كما بدأ خلقكم ﴾ صار المخاطبون مفعولين في اللفظ قال شهاب الدين : يعني أنَّ الأصل كما بَدَأ خلقكم يعودُ خلقكم، فحذف « الخلق » في الموضعين وصار المخاطبون في الأوَّلِ مفعولين بعد أن كَانُوا مجرورين بالإضافة أيضاً وفي الثاني صاروا فَاعِلينَ بعد أنْ كانوا مجرورين بالإضافة. و « بدأ » بالهمز أنشأ واخترع، ويستعمل بهذا المعنى ثلاثياً ورباعياً على « أفْعَلَ » فالثلاثيُّ كهذه الآية، وقد جمعبين الاستعمالين في قوله تعالى :