﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِيءُ الله الخلق ﴾ [ العنكبوت : ٢٠ ] فهذا من « أبدأ » ثم قال : كيف بدأ الخلق، هذا فيما يتعدى بنفسه.
وأما ما يتعدَّى بالباءِ نحو : بَدَأتُ بكذا بمعنى قدَّمته وجعلتهُ أوَّل الأشياء، يقال منه : بَدَأتُ به وابتدأت به.
وحكى الرَّاغِب أيضاً أنَّهُ يقال من هذا : ابْدأتُ به على « أفْعَلَ » وهو غريب.
وقولهم : أبْدأت من أرض كذا أي : ابتدأت منها بالخُرُوجِ والبَدْء السيد سمي بذلك؛ قيل : لأنه يبدأ به في العد إذا عُدَّ السَّادَات وذكروا عليه قوله :[ الوافر ]
٢٤٥٠ - فَجِئْتُ قُبُورَهُمْ بَدْءاً ولَمَّا | فَنَادَيءتُ القُبُورَ فَلَمْ تُجِبْنَهْ |
٢٤٥١ - خَلَتِ الدِّيَارُ فَسُدْتُ غَيْرَ مُسَوَّرِ | وَمِنَ العَنَاءِ تَفَرُّدِي بالسُّؤدُدِ |
فصل في معنى « كما بدأكم تعودون ».
قال ابنُ عبَّاس : إنَّ الله بدأ خلق بني آدم مؤمناً وكافراً، كما قال :﴿ هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ ﴾ [ التغابن : ٢ ]، ثم يعيدُهم يَوْمَ القيامةِ كما خلقهم مُؤمناً وكافراً.
وقال جَابِرٌ : يُبعثون على ما مَاتُوا عليه.
روى جابر بْنُ عبد الله قال : قال رسول الله ﷺ :« يبعثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عليْهِ، المُؤمِنُ على إيْمَانِهِ، والكَأفِرُ على كُفْرِهِ »
وقال أبو العالية :« عَادُوا على علمه فيهم ».
وقال سعيدُ بْنُ جُبَيْرٍ :« كما كتب عَلَيْكُم تَكُونُونَ ».
وقال محمدٌ بْنُ كَعْب :« من ابتدأ الله خلقه على الشِّقْوَةِ صار إليها، وإن عمل عمل أهل السَّعادةِ، كما أنَّ إبليس كان يعمل بِعَمَلِ أهل السَّعادةِ ثم صارَ إلى الشَّقاوةِ، ومن ابتدأ خلقه على السَّعادة صار إليها، وإن عمل بأعْمَال أهل الشٌّقاوة، كما أنَّ السَّحَرَةَ كانت تَعْمَلُ بعمل أهل الشَّقاوةِ فَصَارُوا إلى السَّعادة ».
روى سهل بْنُ سَعْد قال : قال رسول الله ﷺ :« إن العبد يَعْمَلُ فيما يرى النَّاسُ بعمل أهل الجَنَّةِ، وأنَّهُ من أهل النَّار، وإنَّهُ ليعمل فيما يرى النَّاس بعمل أهل النَّارِ، وإنما هو من أهل الجنَّةِ، وإنَّما الأعْمَالُ بالخواتيم »
وقال الحسنُ ومُجَاهِدُ : كمَا بَدَأكُمْ وخلقكم في الدُّنْيَا ولم تكونا شيئاً، كذلك تعودون أحياء يَوْمِ القيامةِ : كما قال :﴿ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ﴾ [ الأنبياء : ١٠٤ ].
قال قتادةُ، هم من التُّراب وإلى التُّراب يعودُونَ، ونظيره :﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ﴾ [ طه : ٥٥ ]، واعلم أنَّه تعالى أمر أولاً بكلمة القِسْطِ وهي لا إله إلا الله، ثم أمر بالصَّلاة ثانياً، ثم بيَّن أنَّ الفائدة في الإتْيَانِ بهذه الأعمال إنما تظهر في الآخرة، ونظيره قوله تعالى لموسى :﴿ إنني أَنَا الله لاا إله إلاا أَنَاْ فاعبدني وَأَقِمِ الصلاة لذكريا إِنَّ الساعة آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾ [ طه : ١٤ - ١٥ ].