في نصب « فريقاً » وجهان :
أحدهما : أنَّهُ مَنْصُوبٌ ب « هَدَى » بعده، و « فريقاً » الثَّانِي منصوب بإضمار فعل يفسِّرهُ قوله :﴿ حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة ﴾ من حيثُ المعنى والتَّقديرُ : وأضلَّ فريقاً حقّ عليهم.
[ قال القُرْطُبِيُّ : وأنشد سيبويه :[ المنسرح ]

٢٤٥٢ - أصْبَحْتُ لا أحْمِلُ السِّلاحَ وَلاَ أمْلِكُ رَأسَ البَعِير إنْ نَفَرَا
والذِّئْبُ أخْشَاهُ إذْ مَرَرْتُ بِهِ وَحْدِي وأخْشَى الرِّيَاحَ والمَطَرا
قال الفرَّاءُ : ولو كان مرفوعاً لجاز ]، وقدَّره الزمخشريُّ :« وخذل فريقاً » لأجل مَذْهَبِهِ.
والجملتان الفعليتان في محلِّ نصب على الحال من فاعل « بَدَأكُمْ » أي : بَدَأكُم حال كَوْنِهِ هادياً فريقاً ومُضِلاًّ آخر.
و « قد » مضمرة عند بعضهم، ويجوزُ على هذا الوجه أيضاً أن تكون الجملتان الفعليَّتان مستأنفتْينِ، فالوقف على « يعودون » على هذا الإعراب تام، بخلاف ما إذا جعلتهما حالين، فالوقف على قوله :« الضَّلالة ».
الوجه الثاني : أن ينتصب « فريقاً » على الحال من فاعل « تَعُودُونَ » [ أي : تعودون ] فريقاً مَهْدِيّاً، وفريقاً حاقّاً عليه الضلاة، وتكون الجملتان الفعليَّتان على هذا في محل نصب على النَّعت ل « فريقاً » و « فريقاً »، ولا بدَّ حينئذٍ من حذف عائدٍ على الموصوف من « هدى » أي : فريقاً هداهم، ولو قدَّرته « هَدَاهُ » بلفظ الإفراد لجاز، اعتباراً بلفظ « فَرِيق »، إلاَّ أنَّ الأوَّل أحسن لمناسبة قوله :﴿ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ﴾، والوقف حينئذ على قوله، « الضَّلالَةُ »، ويؤيِّد إعرابه حالاً قراءة أبي بن كعب :« تعُودُون فريقين : فريقاً هدى، وفريقاً حقَّ عليهم الضَّلالة » ف « فريقين » نُصب على الحَالِ، و « فريقاً » وفريقاً بدل، أو منصوب بإضمار أعني على القطع، ويجوز أن ينتصب « فريقاً » الأول على الحال من فاعل « تعودون » و « فريقاً » الثاني نصب بإضمار فعل يفسره ﴿ حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة ﴾ كما تقدَّم تحقيقه في كل منهما.
وهذه الأوجه كلها ذكرها ابن الأنباري، فإنَّهُ قال كلاماً حسناً، قال - رحمه الله - :« انتصب فريقاً وفريقاً على الحال من الضَّميرِ الذي في » تعودون «، يريدُ : تعودون كما ابتدأ خلقكم مختلفين، بعضكم أشْقِيَاء وبعضكم سعداء، فاتصل » فريقٌ « وهو نكرة بالضَّمِير الذي في » تَعُودُونَ « وهو معرفة فقُطِع عن لَفْظِهِ، وعُطف الثاني عليه ».
قال :« ويجوز أن يكون الأوَّل منصوباً على الحال من الضَّمير، والثاني منصوبٌ ب ﴿ حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة ﴾ ؛ لأنَّهُ بمعنى أضلَّهم، كما يقول القائل » عبد الله أكرمته، وَزَيْداً أحسنت إليه « فينتصب زيداً ب » أحْسَنْتُ إلَيْه « بمعنى نَفَعْته؛ وأنشد :[ الوافر ]


الصفحة التالية
Icon