قال الفَارِسِيُّ - كالمجيب عن الأخفش - :« ويجوزُ ذلك، وإن فُصِلَ بين الصلة والموصولة بقوله :﴿ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ لأنَّ ذلك كلام يشدُّ الصِّلة، وليس بأجنبي منها جداً كما جاء ذلك في قوله :﴿ والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ [ يونس : ٢٧ ].
فقوله :﴿ وتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ معطوف على » كَسَبُوا « داخل في الصلة.
قال شهابُ الدِّين : هذا وإن أفاد في ما ذكر، فلا يفيد في الاعتراض الأوَّلِ، وهو العطفُ على موصوف قبل تمام صلته؛ إذْ هو أجنبي منه، وأيضاً فلا نسلِّم أنَّ هذه الآية نظير آية » يونس « فإنَّ الظاهِرَ في آية يونس أنَّهُ ليس فيها فصل بين أبعاض الصِّلة.
وقوله » لأن جزاء سيِّسةٍ بمِثِلِهَا « معترض، و » تَرْهَقُهُمْ « عطف على » كَسَبُوا «.
قلنا : ممنوع، بل ﴿ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ﴾ [ الشورى : ٤٠ ] هو خبر الموصول، فيعترض بعدم الرَّابط بين المبتدأ والخبر، فيجابُ بأنَّهُ محذوف، وهو من أحسن الحذوف؛ لأنَّهُ مجرور ب » من « التَّبْعيضية، وقد نصَّ النُّحَاةُ على أنَّ ما كان كذلك كثر حذفه وحَسُنَ والتقديرُ : والَّذينَ كَسَبُوا السيِّئَاتِ جَزَاءُ سيِّئةٍ منهم بمثلها ف » جَزَاءُ سَيِّئةٍ « مبتدأ، و » مِنْهُم « صفتها، و » بمثلها « خبره، والجملة خَبَر الموصول، وهو نظير قولهم : السَّمن منوانِ بِدرْهَمٍ أي : منوان منه، وسيأتي لهذه الآية مزيد بيان.
ومنع مكي أن يتعلق ﴿ فِي الحياة الدنيا ﴾ ب » زينة « قال : لأنَّها قد نُعتت، والمصر واسم الفاعل متى نعتا لا يعملان لبعدهما عن شبه الفعل.
قال :» ولأنَّهُ يُفَرَّق بين الصَّلة والموصول؛ لأنَّ نَعْتَ الموصول ليس من صلته «.
قال شهابُ الدِّين : لأن زينة مصدر فهي في قوة حرف موصول وصلته، وقد تقرَّر أنَّهُ لا يتبع الموصول إلا بعد تما صلته، فقد تحصل في تعلق » الَّذينَ آمَنُوا « ثلاثة أوْجُهٍ :
إمَّا أنْ يتعلَّق ب » خالصة «، أب بمحذوف على أ، ها خبر، أو بمحذوف على أنَّها للبيان وفي تعلق ﴿ فِي الحياة الدنيا ﴾ سبعةُ أوْجُهٍ.
أحدها : أن يتعلٌّ ب » آمنوا «.
الثاني : أن تتعلَّق بمحذوف على أنَّها حال.
الثالث : ان يتعلق بما تعلَّق به » لِلَّذِينَ آمَنُوا «.
الرابع : أن يتلعَّق ب » حَرَّمَ «.
الخامس : أن يتعلَّق ب » أخْرَجَ «.
السادس : ان يتعلق بقوله :» الطّيِّبات «.
والسابع : أن يتعلَّق بالرزق.
و » يَوْمَ القيامةِ « له متعلق واحد وهو » خَالِصَةٌ «، والمعنى : أنَّها وإن اشتركت فيها الطائفتان دنيا فهي خالصة للؤمنين فقط أخرى.