وَ « ادّاركوا » بمعنى تَلاحَقُوا، وتقدَّمُ تفسير هذه المادة [ النساء : ٧٨ ].
و « جميعاً » حال من فاعل « ادَّاركوا ».
قوله :﴿ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ ﴾ يحتمل أن تكون فُعْلى أنثى أفعل الذي للمفاضلة، والمعنى على هذا كما قال الزمخشريُّ :« أخْرَاهم منزلة، وهم الأتباع [ والسَّفلة ]، لأوْلاهم منزلة وهم القادة والرؤساء ».
ويحتمل أن تكون « أخرى » بمعنى آخرة تأنيث آخر مقابل الأوَّل، لا تأنيث « آخر » الذي للمفاضلة كقوله :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ﴾ [ فاطر : ١٨ ].
والفرقُ بين أخرى بمعنى آخرة، وبين أخرى تَأنيث آخر بزنة أفعل للتفضيل، أن التي للتفضيل لا تدلُّ على الانتهاء، كما لا يدلُّ عليه مذكَّرها، ولذلك يُعطف أمثالُها عليها في نوع واحد تَقُولُ : مررت بأمراة وأخرى وأخرى كما تقول : مررت برجل وآخر وآخر، وهذه تدلُّ على الانتهاء، كما يدلُّ مذكَّرها، ولذلك لا يُعطف أمثالُها عليها، ولأنَّ الأولى تفيد إفادة « غير »، وهذه لا تفيدُ إفادة « غير ».
والظَّاهِرُ في هذه الآية الكريمة أنَّهُمَا ليستا للتَّفضيل، بل لما ذكرنا.
قال ابن عباس ومقاتل :« أخراهم دخولاً في النار لأولاهم دخولاً فيها ».
واللام في « لأولاهم » للتّعليل أي : لأجل، ولا يجوزُ أن تكون التي للتّبليغ كهي في قولك : قلتث لزيد افعل.
قال الزمخشريُّ :« لأنَّ خطابهم مع اللَّه لا معهم »، وقد بسط القول قبله في ذلك الزَّجَّاج فقال :« والمعنى : وقالت أخراهم : يا ربَّنا هؤلاء أضلُّونا، لأولاهم » فذكر نحوه.
قال شهابُ الدِّينِ : وعلى هذا فاللاَّمُ الثَّانية في قوله :« أولاهم لأخْرَاهُمْ » يجوز أن تكون للتَّبليع، لأنَّ خطابهم معهم بدليل قوله :﴿ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣٩ ]
قوله :﴿ رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا ﴾ يعني : أنَّ اأتباع يقولون : إنَّ المتقدّمين أضلّونا، يعني : أنَّ القادة أضلونا عن الهدى والدين فأتِهِمْ عذاباً ضعفاً من النَّارِ.
قال أبُو عبيدة « الضِّعفُ : مثل الشَّيء مرةً واحدة ».
قال الأزْهَريُّ : ما قاله أبو عبيدة هو ما يستعمله النَّاسُ في مجاز كلامهم، وقد قال الشَّافِعِيُّ قريباً منه فقال في رجل أوصى :« أعطوه ضِعْفَ ما يُصيبُ وَلَدِي » قال :« يَعطَى مثله مرتين ».
قال الأزْهَرِيُّ :« الوصايَا يستعمل فيها العرف، وما يتفاهمه النَّاس، وأما كتاب اللَّهِ فهو عربيٌّ مبينٌ، ويُرَدُّ تفسيره إلى لغةِ العربِ، وموضوع كلامها الذي هو صنعه ألْسِنَتِهَا.
والضِّعف في كلام العرب المِثْل إلى ما زاد، ولا يقتصر به على مثلين، بل تقول : هذا ضِعْفه أي مِثْلاه، وثلاثة أمثاله، لأنَّ الضِّعْفَ في الأصل زيادة غير محصورة، ألا ترى إلى قوله تعالى تعالى :


الصفحة التالية
Icon