ومنها قوله تعالى :﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [ الحاقة : ١٧ ] فلو كان إلهُ العالم في العرش لكان حَامِلٌ العرشِ حامِلاً للإله؛ فوجب أن يكون مَحْمُولاً حاملاً ومحفوظاً حَافِظاً، وذلك لا يقُولُهُ عاقل.
ومنها قوله تعالى :﴿ والله الغني ﴾ [ محمد : ٣٨ ] حكم بِكَوْنِهِ غَنِيّاً على الإطْلاقِ، وذلك يوجب كَوْنَهُ تعالى غنيّاً عن المكان والجهة.
ومنها أنَّ فِرْعَوْنَ لمَّا طَلَبَ حقيقة الإلهِ من موسى - عليه السلام - ولم يزد موسى عليه السلام على ذكر صفة الخلاقية ثلاث مرَّات فإنه قال :﴿ وَمَا رَبُّ العالمين ﴾ [ الشعراء : ٢٣ ] ففي المرة الأولى قال ﴿ رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ ﴾ [ الشعراء : ٢٤ ].
وفي المرَّة الثَّانية قال :﴿ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين ﴾ [ الشعراء : ٢٦ ].
وفي المرة الثالثة قال :﴿ رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢٨ ]. وكلُّ ذلك إشارة إلى الخلاقية، وأمّا فرعون فإنَّهُ قال :﴿ ياهامان ابن لِي صَرْحاً لعلي أَبْلُغُ الأسباب أَسْبَابَ السماوات فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى ﴾ [ غافر : ٣٦، ٣٧ ] فطلب الإله في السَّماءِ، فعلمنا أنَّ وصف الإله بالخلاقية، وعدم وصفه بالمَكَانِ والجهة دين موسى وجميع الأنبياء ووصفه تعالى بكونه في السَّماءِ دينُ فرعون، وإخوانه مِنَ الكَفَرَةِ.
ومنها قوله تعالى في هذه الآية :﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش ﴾.
وكلمة « ثم » للتراخي وهذا يدلُّ على أنَّهُ تعالى إنَّمَا استوى على العرش بعد تخليق السموات والأرض، فإنْ كان المُرَادُ من الاستواء الاستقرار؛ لَزِمَ أن يقال : أنَّهُ ما كان مستقراً على العرش، بل كان مُعْوَجاً مُضطرباً، ثم استوى عليه بعد ذلك، وذلك يُوجِبُ وصفه بصِفَاتِ الأجْسضامِ من الاضطراب والحركة تَرَاةً، والسُّكون أخرى، وذلك لا يَقُوله عاقِلٌ.
ومنها طَعْنُ إبراهيم - ﷺ - في إلهية الكواكب بكونها آفلة غاربة، فلو كان إله العالم جِسْماً، لكان أبداً غارباً آفلاً وكان متنقلاً من الاضطراب والاعوجاج إلى الاستواء والسكون والاستقرار، فكلّ ما جعله طعناً في إلهية الكواكب يكون حاصلاً في إله العالمِ فكيف يمكن الاعتراف بإلهيته؟!.
ومنها أنَّهُ تعالى ذكر قبل قوله :﴿ ثُمَّ استوى ﴾ شيئاً، وبعده شيئاً آخر، أمّا المذكُورُ قبل هذه الكلمة فهو قوله :﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض ﴾ وذلك يدلُّ على وُجُود الصَّانِع، وقدرته، وحكمته.
وأما المذكورُ بعد هذه الكلمة فأشياء أوَّلُهَا :﴿ يُغْشِي الليل النهار يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ﴾، وذلك يَدُلُّ على وجود الله تعالى، وعلى قدرته وحكمته.
وثانيها : قوله :﴿ والشمس والقمر والنجوم مُسَخَّرَاتٍ ﴾ وهذا أيضاً يَدُلُّ على الوُجُودِ، والقُدْرَةِ والعلم.


الصفحة التالية
Icon